صيدا سيتي

عاصم محمد العاصي في ذمة الله السفير عبد المولى الصلح: سيرة رجلٍ حمل وطنه كأمانة لا كوسام مع القرآن - كلمة في آية (10) عَدْوًۭا مع القرآن - كلمة في آية (9) عَدْوًۭا مطلوب معلم كرواسون وحلويات ذو خبرة للعمل في جوار صيدا الحاجة سناء محمود عفارة (أرملة أحمد البوبو) في ذمة الله بهية الحريري: معمارية النهضة في وطنٍ يعيد اكتشاف ذاته فجرٌ جديد || شيخ المجاهدين محرّم العارفي تقبّله الله تعالى الحاجة ذكية أحمد السن: حكاية "داية البلد" التي رسخت قيم البذل والرحمة مع القرآن - كلمة في آية (7) وكيل مع القرآن - كلمة في آية (6) قنوان مطلوب معلم شاورما + مطلوب معلم ساندويتشات للعمل في صيدا مع القرآن - كلمة في آية (5) حسبانًا الدكتور حازم بديع... الجراح الذي يعالج جراح المدينة إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى (قصة قصيرة) مع القرآن - كلمة في آية (4) قنوان نحو تجسير الفجوة بين الفكر النهضوي والواقع العربي مع القرآن - كلمة في آية (3) قراطيس مطلوب موظفين للعمل في DMD Megastore صيدا مع القرآن - كلمة في آية (2) قَدَرُوا۟

الحاجة ذكية أحمد السن: حكاية "داية البلد" التي رسخت قيم البذل والرحمة

صيداويات - الجمعة 28 آذار 2025
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload

إعداد: إبراهيم الخطيب 

وُصفت الحاجة ذكية أحمد السن بأنها مثالٌ حي للطيبة والبذل، إذ كرست جُل حياتها لمهنةٍ إنسانيةٍ ورثتها عن والدتها. ظلت وفيةً لفطرةٍ قانعةٍ لم تبتغِ منها جاهًا أو ثراءً، ورأت سعادتها الحقيقية في خدمة الآخرين والتخفيف من آلامهم. لذا استحقت مكانةً رفيعةً في قلوب أهالي صيدا، الذين شهدوا إخلاصها وإيمانها بالبذل دون مقابل، حتى قال أحد كبار السن ممن عرفوها:

"ما شفت منها إلا كل خير… كانت إذا سمعت بامرأةٍ تحتاج إلى داية، تسابق الريح لتصل قبل أن يشتد بها الألم."

النشأة والظروف المبكرة
وُلدت الحاجة ذكية في حي الكنان بمدينة صيدا عام 1914، في وقتٍ كانت فيه المدينة إحدى أبرز المناطق الساحلية بجنوب لبنان. تميز هذا الزمن بعدة تحديات، منها نقص الخدمات الصحية والتعليمية، إضافةً إلى التفاوت الواضح في المستوى المعيشي بين الأحياء الفقيرة والأسر الموسرة. فبينما كانت بعض العائلات الميسورة تُسهم أحيانًا في أعمالٍ خيريةٍ ودعمٍ إنساني، عانت أحياءٌ أخرى من ضيقٍ شديدٍ جعل سكانها معتمدين بشكلٍ شبه كاملٍ على التكافل الاجتماعي، بما في ذلك جهود القابلات الشعبيات.

في تلك الأجواء، نشأت الحاجة ذكية في بيتٍ متواضع لم يُتَح لها فرصة التعلم النظامي، لكنها تشبثت بقيمٍ نبيلةٍ ومبادئٍ أصيلة. وقد ورثت دور “داية البلد” عن والدتها الحاجة أم علي، وواصلت رعاية الأمهات خلال مراحل الحمل والولادة، في زمنٍ كان لعمل القابلات الشعبيات أثرٌ جوهري في السلامة الصحية للأمهات. وما إن استقرت قدمها في هذا الطريق، حتى بدأت تتبلور مكانتها المجتمعية بوصفها ملاذًا رحيمًا للأمهات اللواتي يتطلعن إلى يدٍ حانية تحفظهن وتحفظ مواليدهن.

طبيعة عملها ومكانتها الاجتماعية

في ظل تلك الظروف، اعتمدت النساء الحوامل اعتمادًا شبه كاملٍ على “الداية” لتلقي الرعاية اللازمة قبل الولادة وأثناءها. ففي أحياءٍ عدة من صيدا، لم تكن الخدمات الطبية الحديثة متاحةً أو ميسورة التكلفة إلا لنسبةٍ محدودةٍ من السكان، بينما اعتمد الفقراء على ما يوفره التكافل الاجتماعي. ولعبت بعض العائلات الموسرة دورًا محدودًا في توفير تبرعاتٍ أو مساعداتٍ تمكن القابلات الشعبيات من متابعة عملهن. وقد أدت الحاجة ذكية دورًا محوريا في حياة أُسرٍ لا تُحصى؛ إذ بذلت يد العون للنساء بغض النظر عن أحوالهن المادية.

اشتهرت بمساندة الفقيرات على نحوٍ خاص، فكانت تتغاضى عن الأجر إن عجزت الأسرة عن دفعه. وبالرغم من ضيق الحال أحيانًا، لم تتوقف عن تقديم الرعاية لأنها رأت في نداء الواجب الإنساني أكبر الدوافع. روت إحدى السيدات المسنات دائمًا:

"إن أردتِ السكينة مع مولودك، فاذهبي إلى الحاجة ذكية؛ فبين يديها أمانٌ من الله."

وهكذا، لم يقتصر حضورها على مجرد التوليد، بل امتد ليصير رمزًا للأمان والطمأنينة في عيون كل من قصدها طالبًا للعون.

تجارب إنسانية

امتزجت إنسانية الحاجة ذكية بتلازمها مع المسؤولية والرحمة. ففي إحدى الليالي الماطرة، لبت نداء استغاثةٍ من جارٍ تشتد آلام الولادة على زوجته، فتركت دفء منزلها وعبرت أزقةً ضيقة تجتاحها الأمطار. وكانت صعوبات التنقل في ساعات الليل وقتها مضاعفة، بسبب ضعف الإضاءة العامة، وضيق الزقاق المُعبد بالحجارة، وامتلاء الحفر بمياه الأمطار، ما يُعرض السائر فيها للانزلاق أو الغرق في الوحل. ومع ذلك، وصلت الحاجة ذكية سالمةً، لتكتشف افتقار المنزل لأبسط المستلزمات، فبادرت بجلب بياضاتٍ وزيتٍ للإضاءة، مؤكدةً أنها لا ترغب في أي مقابل.

وفي حادثةٍ أخرى، تابعت حالة امرأةٍ مريضةٍ بعد الولادة، مواظبةً على زيارتها ليلًا للاعتناء بصغيرها حتى تتحسن صحتها. وكانت تلك الزيارات تستلزم عبور أحياءٍ ضيقةٍ تشتهر بفقرها وضعف إنارتها، لكنها لم تبال بالأخطار المحيطة طالما شعرت بأن هناك من يحتاج إليها. وعندما سعت المرأة إلى رد الجميل بباقةٍ من حديقة بيتها، ضمتها الحاجة ذكية بحنانٍ وهي تردد قولتها المأثورة:

"المحبة والرحمة أعظم عطاء."

ولم تقتصر هذه الأفعال على المساعدة الفردية فحسب، بل رسخت في النفوس قناعةً بأن الخير قد ينبثق من بساطة الحال، حين توافِق النية الصادقة فعلًا مخلصًا.

الأثر في المجتمع وعرفان الناس

لم يُثنِ الزمن همة الحاجة ذكية عن مواصلة البذل، إذ ظلت متسلحةً بروح البساطة والإيمان بأن رضا الله ومحبة الخلق هما أعظم ما يمكن للمرء أن يبلغه. اكتسبت مكانةً مرموقةً لدى أهل صيدا والمناطق المحيطة، ونُقل ذكر أفعالها النبيلة عبر الأجيال، شاهدًا على أن التراحم قادرٌ على البزوغ في أوج التحديات. وقد قال أحد الممرضين المبتدئين ممن عاصروها:

"كانت لا تملك شهاداتٍ كبيرة، لكنها امتلكت ما هو أثمن: قلبٌ يفيض بالعطاء."

وبفضل هذا القلب المعطاء، تعاضدت الجهود من حولها؛ فتبرعت بعض العائلات الموسرة بما أمكنها، معربةً عن امتنانها للدور المهم الذي أدته هذه الداية في مجتمعٍ يكاد يفتقر إلى أدنى الخدمات الطبية.

وفاتها وإرثها الإنساني

فارقت الحاجة ذكية الحياة عام 1998، بعدما ملأت أيامها بالمواقف الشريفة وأعمال الإيثار. وعلى الرغم من مرور عقودٍ على رحيلها، لا يزال اسمها حاضرًا في الذاكرة الشعبية الصيداوية، إذ يضربون به الأمثال في التفاني والإخلاص. ظل أثرها الإنساني نابضًا في أرواح من عرفوها، وتحول اسم “داية البلد” إلى عنوانٍ للقيم النبيلة التي اعتصمت بها حتى آخر أيامها. ولعل أشد ما يُخلد سيرتها هو استمرار تناقل قصصها، فتُروى كما لو كانت نصائح عمرٍ يسعى كل محب للخير إلى اتباعها والاقتداء بها.

إحياء ثقافة التكافل

ما برح ذكر الحاجة ذكية أحمد السن حيا في نفوس من سمع بها أو تعامل معها، رمزًا للبساطة والخير والعطاء. وإذ نستذكر سيرتها اليوم، نجد فيها دعوةً صادقةً لكل من يبتغي الخير والرحمة في عالمنا المعاصر. ففي مواجهة تحديات الحاضر، تتعاظم حاجة المجتمعات إلى عملٍ تطوعي ومنظماتٍ خيريةٍ تعيد إحياء ثقافة التكافل. كما كانت الحاجة ذكية تؤدي دورها متسلحةً بقيم الإخلاص وحُسن النية، يستطيع كل منا أن يساهم في دعم الأسر المتعففة أو المشاركة في الجهود الإنسانية، ناشرًا روح التضامن في بيئته ومحيطه.

وكما يرفع أهل صيدا أكفهم متضرعين أن يتغمدها الله برحمته الواسعة، يشاركهم كل محب لهذا النموذج المشرق في الدعاء لها بالرحمة والمغفرة، راجين أن تُلهم سيرتها كل صاحبِ قلبٍ يطمح إلى أن يكون شعلةً تنير طريق الآخرين وتخفف عنهم وطأة الأيام.


هذه المقالة مستوحاة من النص التالي نقلًا عن صفحة Saida is our history صيدا تاريخنا

"الحاجة ذكية أحمد السن، المعروفة بـ "داية البلد"، وُلدت في صيدا، في حيّ الكنان، سنة 1914، وتوفيت سنة 1998.
كانت داية الفقراء والأغنياء، عاشت حياة بسيطة، وكانت أميّة لم تتلقَّ التعليم، بل ورثت مهنتها عن والدتها، الحاجة أم علي.
لم تدّخر في حياتها أيّ ثروة سوى سمعتها الطيبة، ومساندتها الدائمة للفقراء، حتى إنّها كانت، في أغلب الأحيان، لا تتقاضى شيئًا مقابل عملها، رأفةً ومراعاةً لأحوال العائلات المحتاجة.

رحم الله "داية البلد"، ولا تزال، حتى يومنا هذا، ذِكرى سيرتها العطرة حيّةً في القلوب، والناس يستذكرونها ويترحّمون عليها.

بقلم حفيدتها، مع الشكر الجزيل: دانيا مصطفى البتروني."


 


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 994446215
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة