نحو تجسير الفجوة بين الفكر النهضوي والواقع العربي
إعداد: إبراهيم الخطيب
في كثير من المشاريع الفكرية المعنية بالنهضة والتحول الاجتماعي، يُلاحظ ميل واضح إلى استخدام نماذج تاريخية أو تجارب دولية كبرى لتوضيح المفاهيم، مثل تجارب الصين، اليابان، أو تحليل أفكار فلاسفة التاريخ والاجتماع. هذا التوجه يعكس رغبة في تقديم رؤية شمولية تتجاوز اللحظة الآنية، وتستند إلى قوانين كونية في حركة المجتمعات.
لكن هذا الأسلوب - رغم ما فيه من عمق - قد ينتج عنه فراغ عند القارئ العربي، حين لا يجد لواقعه مكانًا في الطرح. ذلك أن القطيعة بين التنظير المجرد والواقع الملموس تضعف الصلة بين الفكرة وسياقها، وتجعل الخطاب النهضوي أقرب إلى التجريد منه إلى التمكين العملي.
الواقع العربي كفضاء للتحليل لا الخصومة
ليس المطلوب أن تنخرط المشاريع الفكرية في الاصطفافات السياسية أو الجدل الآني، بل أن تتعامل مع الواقع العربي بوصفه مادة للتحليل البنيوي، تمامًا كما يتم التعامل مع التجارب الخارجية. التحديات التي تعاني منها المجتمعات العربية - من اختلالات في إدارة التنوع، إلى قصور في فهم الدولة، إلى الأزمات التربوية والاقتصادية - ليست معطيات محرجة، بل هي حقول للدرس ومداخل للإصلاح.
يمكن مثلًا أن تُوظف تجارب بعض البلدان في تمكين الطاقات الشبابية أو فشلها، أو التفاوت في إدارة الفضاء الديني، كأمثلة تفسيرية دون الحاجة إلى ذكر أسماء أو الدخول في تفاصيل سياسية.
تحليل الظواهر بدلًا من تسمية الحالات
الفكرة المركزية هنا هي الانتقال من سرد التجارب البعيدة إلى تحليل الظواهر الحية في العالم العربي. فمثلًا، في تناول مفاهيم مثل "التغيير الاجتماعي" أو "توزيع الأدوار"، يمكن استحضار حالات من الواقع العربي تُظهر تأخرًا في إعادة توزيع السلطات أو في تحديث البنى التعليمية، دون أن يُقحم الخطاب في الأسماء والوقائع المتحركة.
بهذا الأسلوب، يحتفظ المشروع الفكري برصانته وتحليله العميق، وفي الوقت نفسه يتجذر في تربة الواقع المحلي.
النهضة لا تُصنع من خارج الزمن
أحد أهم شروط النهضة هو فهم الواقع بكل تناقضاته، لا القفز فوقه. فالنهضة مشروع يتحرك في الزمان والمكان، ويستند إلى وعي نقدي لا يخاف من مواجهة المعضلات الداخلية، بل يعتبرها فرصة لإعادة البناء.
من هنا، فإن إدماج الواقع العربي الحديث - دون تهجم أو تهوين - هو ضرورة لردم الفجوة بين ما يُطرح من أفكار، وما يُعاش من تحديات.