مع القرآن - كلمة في آية (2) قَدَرُوا۟
"وَمَا قَدَرُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦٓ إِذْ قَالُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍۢ مِّن شَىْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورًۭا وَهُدًۭى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُۥ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًۭا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوٓا۟ أَنتُمْ وَلَآ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ" سورة الأنعام، الآية 91
جاءت كلمة "قَدَرُوا" في سياق الذمّ والعتاب، والمقصود بها: ما عظّموا الله، وما عرفوه المعرفة اللائقة بجلاله، وما أنزلوه المنزلة التي يستحقها في نفوسهم واعتقادهم.
ومن خزانة لغة العرب والقرآن، إليك ثلاث مفردات تحمل معنى "قَدَرُوا" في هذا السياق، وهي متقاربة في دلالتها:
1. عَرَفُوا
أي ما عرفوا الله المعرفة الحقيقية التي تليق بجلاله.
فالمعرفة بالله هنا لا تعني مجرد العلم بوجوده، بل تعني الإدراك القلبي والاعتقادي لعظمته وسلطانه وأسمائه وصفاته.
قال القرطبي: "أي ما عرفوا الله حق معرفته، ولا عظّموه حق تعظيمه".
2. عَظَّمُوا
أي ما عظّموه كما ينبغي لجلاله أن يُعظَّم.
وهذا التفسير يجمع بين البعد القلبي والعملي، أي أن أقوالهم وأفعالهم تدل على استهانة بشأن الله.
وقد فُسرت الآية بهذا المعنى في كثير من التفاسير المعتبرة، كابن كثير والطبري.
3. مَجَّدُوا
وهي أخصّ من التعظيم، وتعني ما نزّهوه وما رفعوه منزلة الإجلال والتقديس.
وهذه الكلمة تلامس البعد التعبدي، أي أنهم لم يسبّحوه ولم يجلّوه كما فعل أهل الإيمان، بل زعموا أنه لم يُنزل شيئًا على بشر.
إجمالًا، كلمة "قَدَرُوا" هنا ليست مجرد فعل إدراك، بل موقف وجودي كامل من الله عزّ وجلّ، يشمل المعرفة والتعظيم والخضوع، وهذا ما قصّر فيه أولئك القائلون: "ما أنزل الله على بشرٍ من شيء".