الاستلهام من الأبطال: نحو نهج فكري وتحفيزي
حينما نشاهد إنجازات من نُعجب بهم - أفراداً سبقونا في مضمار ما، تركوا أثراً ويُرسمون للناجحين اليوم خُطىً تُحتذى - فإننا نحصل على فرصة ثمينة: فرصة لإعادة ترتيب علاقتنا بذواتنا وبمضمار الأداء الذي نختاره. في هذا السياق، تبدو تجربة John Coltrane مثلاً حيّاً للغاية:
وُلد في كارولاينا الشمالية، وعاش أزمة طفولة بفقد عائلته في سن صغير، الأمر الذي أثّر في وعيه الشعوري والروحي لاحقاً.
بعد أن بدأ مساره الموسيقي كتلميذ ومعلم ساكسفون في المدرسة، وجده ينظر إليه كمساحة لتنفيس حروف لم يكن يعرف كيف يبوح بها بالكلمات، فوجد في الموسيقى لغةً للتعبير عن توق داخلي عميق.
حينما استمع لعزف Charlie Parker أوّل مرة، صار ذلك التصوّر حافزاً له لإدراك أن التفرّد - بل التعبير الصادق - هو ما يجعله مختلفاً. ولاحظ أن باركر كان «مؤثّراً» في مسيرة كولترين، إذ يُشير إليه العديد من المصادر بوصفه نموذجاً أولياً في مسار الجاز.
وما بين سنوات الجدية والتدريب والمثابرة، تحوّل كولترين إلى أحد أعظم عازفي الجاز في عصره، ليس فقط لأنه أتقن التقنية، بل لأنه جعل الموسيقى أداة للتعبير، وترسيخ لحاجة روحية وتجربة معنوية.
من تجربة كولترين نستخلص عدّة مبادئ يمكن أن تُوجّهنا نحو استلهام مفيد لا يقلّ عمقاً عن الأداء ذاته.
ثلاثة مبادئ للاستلهام الواعي
1. أحبّ ما تعمل
إن شغفك الحقيقي بالمجال الذي اخترته هو الوقود الأول للسير فيه، كجهد روتيني، كرحلة تعبّر عنك. نتعلّم ذلك من كولترين، الذي ساعدته الموسيقى في التعبير عن مشاعره الروحية التي كانت تتعاظم بداخله.
«لكي تتقن الأداء في مجال ما، عليك أن تحب موضوع هذا المجال، وأن تشعر بارتباط عميق به.»
هذا الارتباط العميق يجعل العمل تجربة وجود، مما يُحفّزك على الاستمرار بالرغم من الصعوبات.
2. اتخذ النماذج بحكمة
«هل هناك أشخاص معينون، تؤثر إنجازاتهم فيك بقوة؟ حلّل هذا الأمر، واتخذهم نماذج لك.» هنا نقترح خطوات عملية:
- حدّد من تُعجب به حقاً، لشعورك بأنه استطاع تجاوز حدود ذاته.
- فكّر في العناصر التي أعجبتك فيه: هل هي المثابرة؟ الإبداع؟ الانضباط؟ التعبير؟
- اسأل نفسك: هل يمكنني أن أستلهم من هذا النموذج باستخلاص المبادئ التي وظّفها؟
في حالة كولترين وباركر نجد أن باركر، مثلاً، كان مُشكّلاً لتطور الجاز، لكنه لم يكن بالنسبة لكولترين الهدف النهائي بل المحفّز؛ وهو ما يجعل النُّموذج مُلهمًا من غير قيود.
3. اجعل هدفك أكبر من المجال ذاته
حين تنظر إلى إنجازات من تعجب بهم، ربما تقتصر رؤيتك على المهارة أو الشهرة أو المستوى التقني. لكن الأفضل أن تتجاوز ذلك إلى بعد أعمق: لماذا فعل هذا؟ ما الذي دفعه؟ ما الذي عبّر عنه؟
في حالة كولترين، جذبته الموسيقى كوسيلة لتعبير روحي، لتواصل مع شيء أكبر من ذاته.
ولذا، يمكنك أن تسأل نفسك: ما هي الرسالة التي أريد أن أصلها؟ ما هي القيمة التي أريد أن أحقّقها؟ إذا تجاوز اهتمامك نطاق «المجال» ليصبح أقرب إلى القيم أو المهمة أو التأثير، فإن الأداء أو المسار المهني يتحوّل إلى شيء أكثر معنى وجدوى.
مسارك الخاص
اجعل من تجارب الآخرين مرآة تدرك من خلالها دوافعك، استخلص منها ما يلائمك، وواصل رحلتك نحو التميّز بشغف وارتباط عميق، مع المحافظة على قيمة أكبر من المجال ذاته - قيمة تؤثر بها وتُحاول أن تُحدثها. بهذا النهج تبني مسارك الخاص المستلهم من النماذج التي أبهجتك واستثارتك، ويصبح إنجازك وسيلتك في التعبير عن نفسك وعن الرسالة التي تحملها.
قائمة المصادر والمراجع:
“The Everlasting Sound of John Coltrane”, Boston Symphony Orchestra، موقع BSO. bso.org
“Charlie Parker - myth and mayhem”, National Jazz Archive، أغسطس 2020. nationaljazzarchive.org.uk
“An Old Jazz Collector Tribute To Charlie Parker”, JazzCollector.com. jazzcollector.com

