خطبة الجمعة للشيخ عاصم محرم عارفي | ماذا تمنى مصطفى قبل موته؟!
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله القائل في محكم كتابه: "كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ".
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا نِدَّ له ولا كُفْءَ له، وأشهد أن أستاذنا ومعلمنا وقائدنا وقدوتنا، وقدوة العالمين، محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة، كلنا فُجِعنا بخبر مقتل ابن مدينة صيدا، الشاب مصطفى - رحمه الله -، ولا بد لنا من وقفة تجاه هذا الخبر الأليم.
أما الوقفة الأولى، أيها الإخوة، فبينما كنت أسأل عن أحوال مصطفى - رحمه الله - وأجمع المعلومات عنه كي أتعرف عليه أكثر استعدادًا لخطبة الجمعة، أخبرني الشيخ وائل كبش - حفظه الله - قائلاً:
جاءني مصطفى يوماً وقال لي: "يا شيخ، تعبت... بدي موت!"
فقلت له: "لماذا؟"
قال: "لقد تعبت... بدي موت!"
فسألته: "لماذا تعبت؟ ما الذي أتعبك؟"
أيها الإخوة، مصطفى - رحمه الله - كان مثل كثير من الشباب، ابتُلي ببعض الذنوب والمعاصي، وكان يُجاهد نفسه جهادًا كبيرًا كي يتخلص منها، لكنه كان يعاني، وهناك نوع من المعاصي - يا إخوتي - من الصعب جدًا أن يُقلِع عنها الإنسان عندما يعتاد عليها، إذ تتمكن من النفس والعقل والوجدان، والخروج منها يحتاج إلى قوة وإرادة وتوفيق من الله، ويحتاج أيضًا إلى دعم من المجتمع من حوله.
لكن كيف كان المجتمع يتعامل معه؟ كان يجلده، كان يؤذيه!
وهنا يحضرني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما أُتي برجل قد شرب الخمر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يُؤدبوه كي يرتدع، فقال: "اضربوه"، فضربه بعضهم بأيديهم، وبعضهم بنعالهم، وبعضهم بثيابهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يُراقب ذلك.
لكن، فجأة، قال أحد الصحابة لهذا الرجل: "أخزاك الله!" فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "لا تعينوا الشيطان على أخيكم، فإنه والله يحب الله ورسوله!"
يا إخوتي، هذا الرجل الذي شرب الخمر كان قد أخطأ، وكان يُؤدَّب، لكنه كان في داخله يُحب الله ورسوله! فكيف بنا اليوم، حينما نرى إنسانًا عاصيًا، مقصرًا، بعيدًا؟
واجبنا أن نحتضنه، أن ندعمه، أن نُسانده، خصوصًا إذا كان يجاهد نفسه جهادًا كبيرًا ليخرج من المعصية.
يا إخوتي، أحد أصدقاء مصطفى في جنازته قال:
"مصطفى كان يريد كل هؤلاء الناس حوله وهو حي، لا بعد أن مات!"
نعم، يا إخوتي، هذه فرصة لنتعلم درسًا مما حصل مع مصطفى.
أي شخص نراه على معصية، علينا كمجتمع أن ندعمه، أن نُسانده، أن نحتضنه، أن نقوّيه، كي يستطيع أن يُجاهد نفسه ويخرج من ذنوبه.
أما الوقفة الثانية، أيها الإخوة، فمصطفى - رحمه الله - لم يكن يتوقع موته أبدًا.
كان قد نزل ليتسحر أو ليسهر في ليلة من ليالي رمضان، لكن الموت كان مكتوبًا.
يا إخوتي، نحن في امتحان!
تذكروا أيام المدرسة، حين كنّا نجلس في الامتحان، كانت الأسئلة واضحة، لدينا خمس أسئلة مثلاً، ومعنا ساعة لحلها، وبعدها تُسحب الورقة.
أما امتحان الدنيا، فهو امتحان مستمر، أسئلته ابتلاءات، واختباراته متجددة لا تنتهي!
ليست خمسة أسئلة تحلّها ثم تدخل الجنة!
الدنيا دار بلاء، كل يوم نحن مُعرضون للاختبار:
تسير في الطريق فترى مشهدًا يُفتن بصرك، فتغضه، وهذا اختبار!
أحدهم يستفزّك في نهار رمضان، فتُمسك لسانك، وتقول: "اللهم إني صائم"، وهذا اختبار!
المال الذي بيدك، هل تُخرج زكاته أم تبخل بها؟ وهذا اختبار!
الابتلاءات لا تنتهي، والمشكلة أننا لا نعرف مدة الامتحان!
في المدرسة، كنا نعرف أن الامتحان ساعة أو ساعتين، لكن امتحان الدنيا؟!
قد تعيش 20 سنة، 30، 40، 50، 60... أو أقل، أو أكثر، لا أحد يعلم!
لكن فجأة...
تُسحب منك الورقة!
تنتهي حياتك!
تُقبض روحك!
لذلك، يا إخوتي، ليكن موت مصطفى - رحمه الله - موعظة لنا، لنبقى دائمًا جاهزين، حتى إذا جاءنا الموت، نكون مستعدين لهذا الموقف الخطير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والحمد لله رب العالمين.