هيثم زعيتر: الحاج يوسف البساط... مزج بين الوفاء لصيدا وعمل الخير
كتب الإعلامي هيثم زعيتر:
يُسجّلُ للراحل الحاج يوسف محمود البساط "أبو محمد"، الذي غادَرَنَا عن (95 عاماً)، أنّه نَجَحَ بالجمع بين الحب والوفاء لمسقط رأسه مدينته صيدا، وعمل الخير الذي عمَ جميع المُؤسسات الخيرية في "عاصمة الجنوب"، وكل لبنان.
تميّزت شخصية الحاج يوسف البساط، بالطابع الإنساني، فاتَّصَفَ بعمل الخير، من دون أي مُقابل، أو ضجيج، بل كان دائم الحرص على عدم ذكر اسمه في أي مشروع من المشاريع العديدة التي نفّذها في صيدا، وشملت الجمعيات كافة، لعل أبرزها تكفّله بتكلفة بناء "عمارة المقاصد" التابعة لـ"جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" في صيدا، في شارع رياض الصلح، وسط المدينة، التي سلّم مفاتيحها إلى الجمعية، فساعدها المردود المالي من عائدات الإيجارات، على سداد جزءٍ كبير من العجز الذي كانت تقع سنوياً تحت كاهله.
أعمال خيريّة ابتغى من خلالها السر دون العلن، لكن عمل الخير لا بد وأنْ يظهر ويُزهِر عطاؤه على لسان الذين بَلْسَمَ جِراحهم وتدخّل لمُساندتهم في أحلك الظروف المصيرية.
وفاءٌ من ابن صيدا البار لمدينته التي أحب وعشق، وله فيها ذكريات كثيرة، خصوصاً "ثانوية المقاصد" في محلّة ظهر المير، التي تلقّى تعليمه فيها، فكان دائم الحرص على زيارتها وتفقّد أحوالها، مُشيداً بهذا الصرح، والدور الذي تُؤدّيه في حمل رسالة المقاصد مع باقي مُؤسّساتها.
استعادة للذكريات والمواقف التي عاشها، وتجارب خاضها، وملامح وأعمار وأحلام نُقِشَتْ في البال، كما في الوجدان، وشعور بالفرحة والتقدير لهذا الصرح المقاصدي التربوي العريق، الذي له ولكل ما فيه حيز رحب من ذاكرته، وأثر طيّب في نفسه، كما كانت "المقاصد" دائماً ولا تزال في قلبه وفكره ووجدانه، كما لصيدا البلد، وامتدادها حكايات عابقة بذكريات الزمن الجميل، والعطاء من أجل الأجيال القادمة.
أما "مسجد الشهداء" في صيدا، فهو الآخر، لم يرد من خلاله الحاج يوسف البساط أنْ يحمل اسمه، بل جاء تكريماً لأبناء صيدا والجوار، الذين استشهدوا في الدفاع عن المدينة بمُواجهة قوّات الاحتلال الإسرائيلي وآلته الحربية خلال غزو المدينة في حزيران/يونيو 1982.
مسجد حديث العمارة، يقع إلى الجهة الجنوبية من ساحة الشهداء، بناه الحاج يوسف البساط لوجه الله سبحانه وتعالى، وفق الطابع المملوكي الذي يُعطي الهدوء والسكينة للمُصلين.
الشاب العشريني الذي وعى نكبة فلسطين في العام 1948، احتضن أهلها، وبينهم الكثير من العائلات التي كانت على تواصل مع عائلته قبل النكبة، فبقيت أواصرَ الود، وتقديم كل العون للقضية وأبناءِ شعبها.
ارتبط بعلاقات مُميّزة مع الجنوب وشرقي صيدا، وصولاً إلى جبل لبنان حيث المصيف، وكل لبنان.
تفوّقٌ وإبداعٌ رَافَقَ مسيرة الحاج الفاضل، في البساتين وميدان التجارة، فأضحى اسمه علامة مُسجّلة بالجودة مع الصدق والأمانة.
بصمات خير وعطاء تُحفَظ للحاج يوسف البساط، بأحرفٍ ناصعة البياض، وزاد عمل صالح في الآخرة.
على نهج الوالد الحاج يوسف البساط، وشريكة عمره والسند في عمل الخير، زوجته الحاجّة سلوى القوّام، التي رحلت قبل حوالى 17 شهراً، سار الأبناء الذين ما بخلوا في العطاء والتقديم لأبناء المدينة وخدمتهم، سواءٌ من خلال العمل التجاري أو الشأن العام، حيث تولّى نجله المُهندس إبراهيم البساط منصب نائب رئيس بلدية صيدا المُهندس محمد السعودي لولايتين بين العامين 2010-2023.
يرحل الحاج يوسف البساط تاركاً غرساً صالحاً، في البساتين والتجارة، وعمل الخير الذي سيذكره الأيتام والأرامل والمحتاجون، كما المؤسّسات والجمعيات، ليُسجّل في ميزان حسناته، مع ذريّة صالحة تعمل وفق ما ربّاها عليه.
تغمّد الله الراحل بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.