السلوك الإنساني وتأثيره على البيئة
يعيش لبنان أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية كبيرة منذ أكثر من عامين، وأبرز تلك الازمات، بل وأقول ابرزها، لأنها تُرى بالعين المجردة كل يوم وكل صباح ومساء.
أزمة النفايات وتراكمها في الأزقة والطرقات، وعدم تقديم البلديات لاي نوع من انواع المساعدة، بسبب عدم توفر الاموال المقدمة من الدولة الى البلديات، مما جعلها مقصرة في اداء دورها في خدمة المجتمع، وخاصةً من جهة تأمين رواتب عمال تنظيفات الطرقات، وكذلك عدم امكانية توفير المازوت للشاحنات التي تعمل على جمع النفايات وايضا الى جانب عدم تأمين عمال وسيارات لتنظيف مجاري الصحية.
نقطة مهمة علينا التوقف والتفكير بها ونسال أنفسنا حولها، هل الدولة والبلديات هم المسؤولون الوحيدون عن النفايات والقذارة التي تمتلىء الطرقات بها؟؟
صحيح ان عمال البلديات لا يقومون بواجبهم الصباحي واليومي من كنس للشوارع وجمع النفايات، لكن.. ما هو دور المواطن في هذا الشأن، ولماذا يجب ان تكون هناك جهة او شخص نرمي عليه المسؤولية ونحمله الاخطاء!!!
دائما ما نسمع عبارة : النظافة من الايمان، أين هو الايمان مما نراه ونقوم به، نقوم بتنظيف المنزل وغسل الشرفات والاهتمام بنظافة مطلع المبنى، وحين نصل الى الشارع العام، نرمي عليه النفايات التي جمعناها من المنزل والدرج، بالاضافة الى نفايات المستشفيات والتي تُعتبر بمثابة خطر كبير على التربة وعلى الانسان، وكأن هذا الشارع لا يتبع للبيئة التي نعيش بها، مشهد مكبات النفايات تُشعرك بالاشمئزاز وانت ترى اكياس النفايات تحيط بالمكب من كل جهة، مع العلم ان احيانا كثيرة يكون هذا المستوعب مازال فارغا.
يُولد الانسان بفطرة انسانية محبة لكل شيء، صفحة بيضاء نرسم عليها ما يحلو لنا من خلال تعاملنا معه، ومن خلال تعاملنا مع الآخرين، ليصبح مستعد لاستقبال كل فكرة جديدة، ثم يأتي دور البيت في تأهيله وصقله، يبدأ الاهل بتعليم الولد محبة اهله واخوانه ومن ثم بيئته الصغيرة وصولا الى أقرانه في الحضانة والمدرسة، ويغيب عن بالنا أن نعلمه حب الحي الذي يقطن به والمحافظة على نظافة الشارع الذي يمر به والذي يركن به سيارته والذي يلعب فيه احيانا كثيرة، بدل ان نجعله يعتاد على مشهد رمي قاذورات السيارة في الشارع، علينا تعليم الطفل حب البلدة التي ينتمي اليها، حتى يعرف كيف يدافع عنها، وايضا حب الشارع الذي يمر به يوميا ورغبته بان يبقى نظيفا حتى يشعر بالزهو والفخر، فهذا حتما سيوصله الى حب الوطن والشعور بالانتماء لهذا الوطن، المواطنية ليست كلمة، بل هي فعل يومي.
نبكي على الاقتصاد المنهار ونستمع لآلاف الاحاديث والتحليلات حول كيفية النهوض بهذا الاقتصاد، وننسى في الوقت ذاته العلاقة التبادلية بين الاقتصاد والبيئة. تقول المتخصصة في دراسة نوعية الهواء (البروفيسور نجاة صليبا) ان بين عامي 2017 و2021 زاد تلوث الهواء بنسبة 50% ، بحسب دراسة أجرتها على عينات مأخوذة من مدينة بيروت، هذا بالاضافة الى تلوث أكبر وأطول نهر في لبنان ( نهر الليطاني 170 كلم)، مما افقده دوره كشريان حياة أساسي في البلاد لتأمين مياه الشرب والري وتوليد الكهرباء، ولا ننسى ايضا الدخان المتصاعد من المولدات والتي تتسبب بحالات كثيرة من امراض الصدر والامراض السرطانية بحيث أصبح لبنان يُسجل اعلى نسبة تلوث في منطقة الشرق الاوسط، وهذا التلوث يسبب سنويا حالات وفاة اكثر مما تسببه جائحة كورونا،
نعيش في بيئة كل ما يحيط بها ملوث، هواء، تربة، مياه، والتي تشكل المصدر الاساسي والرئيسي في ري المزروعات، وبما ان لبنان يُعتبر بلد زراعي نسبيا، فكيف ستكون نتيجة هذه المحاصيل الزراعية وأثرها على صحة الانسان وما تسببه من امراض.
كيف لنا ان ننهض بالاقتصاد ضمن هذا التلوث الذي نعيشه، لبنان بلد الحمضيات والخضروات والفاكهة، هذه المنتجات بامكانها ان تساهم في النهوض باقتصاد البلد ولو بنسبة ضئيلة.
تم تنظيم الكثير من المؤتمرات حول الاهتمام بالبيئة وأثرها الايجابي على الانسان بشكل عام وأثرها على النهوض بالمجتمع، وفي نهاية كافة المؤتمرات يخرجون بتوصيات عبارة عن عدد كبير من الصفحات، ولكن.....متى يبدأ العمل بهذه التوصيات !!!
البداية يجب ان تكون من البيت، المدرسة الاولى للطفل، تدريب الفرد على الاهتمام بنظافة البيئة المحيطة به والمحافظة على مقتنيات هذه البيئة التي ينتمي اليها وزرع الحب لدى الطفل تجاه هذه البيئة ، كذلك تدريب الطفل او الفرد على فكرة اعادة تدوير بعض الاشياء والبداية مع حاجياته الخاصة وايضا العابه ، للعمل على تقليل النفايات، حتى تكبر معه عادة الاهتمام والمحافظة على بيته و شارعه وبلدته وصولا الى البيئة الكبيرة...الا وهي الوطن مع الاهتمام والمحافظة على مقتنيات هذا الوطن.
بقلم| سهى خيزران - صيدا