خليل المتبولي: بأيدينا ... ما حصل وما يحصل!
ماذا حلّ بنا ؟ ماذا فعلنا بأنفسنا ؟ هل ما نحن فيه اليوم ، من مصائب وكوارث ولعنات لنا يد فيها ؟ لا أدري ، ربما القدر ، بل ربما الفعل الذي سرنا به . لقد تركنا الأبواب مفتوحة على مصراعيها للرياح وللعواصف وللنكبات ، وأشعلنا النيران في أوطاننا ونفوسنا وفي يومياتنا ، إنّ الحرائق تطلع من انعدام الثقة بالذات وبالوطن ، ومن عدم الارتواء الوطنيّ المشبع بعاطفة الكرامة والنخوة وحب الوطن .
إنّ ما نعيشه اليوم ، وما نتلقفه ، وما يسقط علينا ، وما بين ما نزنه وما لا نزنه ، حري بنا الموت ، إنما لا نزال أحياءً ، نصارع التيارات المتدفقة بقوة ، رغم ارتخاء قوتنا ، وضعف حيلتنا . حب البقاء ؟ّ ربما ! هذا لأننا نطلع دائمًا من جلودنا ، وثيابنا ، وقتلانا ، وقوتنا ، ونهاياتنا ، وتذكاراتنا . نطلع لنكتب خطايانا على ألواح التمرّد الموشومة بعلامات الديانات وطوائفها ومذاهبها ، ألواح التمرّد المتجهة في حركتها لمحو وإزالة العواقب والنكبات ، وإعادة صياغة الوجود على نحو آخر ...
ماذا حلّ بنا ؟ ماذا فعلنا بأنفسنا ؟ هل كنّا نعلم أنّ الأمور كانت تجري في هذا الاتجاه ؟ نحو القعر ، بل نحو جهنم ، ومشينا ، كنّا نعرف ؟ نعم ، ومشينا ! كانت مصيبتنا أننا أغلقنا أبواب عقولنا ، وجعلنا الرياح تضرب وجوهنا ، وتركنا تفاصيل حياتنا للآخرين ، ووقفنا وراء الحوادث ، وأكّدنا أننا نضمر البساطة في تعاملنا ، وأننا نواجه وضعًا غير معهود على الإطلاق . وضعٌ يتراءى للجميع أنه غريب وغامض ...
إننا نعيش حالة اهتراء كلّي ، وغَرَق ، واصطدام بواقع مأزوم لن نخرج منه سالمين معافين ، كانت أزمتنا علّة وجودنا ... ما معنى أن نعيش في وطن يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة ؟ ما معنى أن نعيش في وطن يتعذر عليه أن يمنحنا حقوقنا ؟ ما معنى أن نعيش في وطن يسرق منّا طموحاتنا وأحلامنا ؟ تضرب وجوهنا رياح تهبّ من جوف المنفى ، منفيون داخل أفكارنا ، منفيون داخل ذاتنا ، وحريتنا ، ولغتنا ووطننا ، وطننا المسلوب منه معنى الوطن والحرية والسيادة . والمشرّع صدره لسهام الغدر والنفاق والفساد والسرقة ...
ماذا حلّ بنا ؟ ماذا فعلنا بأنفسنا ؟ هل نحن الذين حملنا المعول وبدأنا بضرب جذور شجرة الحياة والمستقبل ؟ نعم ، نحن الذين فعلنا ذلك ، نعم ، نحن الذين ضربنا جذور الشجرة الممتدة في كل اتجاهات الوطن ، وقطعنا عنها الماء والضوء والهواء ، نعم ، نحن قتلنا الحياة ، وقتلنا المستقبل ، وقتلنا كلّ أمل في الحياة ، ولففنا الحبال حول أعناقننا ، نعم نحن بأيدينا فعلنا ذلك ، وسلّمنا رقابنا وحياتنا لملوك الطوائف ، وزعماء المذاهب ، ولحقوقهم ولرؤاهم ولسياساتهم الفاسدة ...
إنّه الجحيم الذي وُعدنا به ، رياحٌ عاتية تضرب وجوهنا ، شمسٌ حارقة تشوي أبداننا ، لهيبٌ صارخ يؤرجحنا ذات اليمين وذات الشمال ، عذاباتنا عظيمة وكثيرة ، إننا نبصر الموت الحقيقي في عزّ حياتنا ...
بقلم | خليل ابراهيم متبولي - صيدا