هل يمكن للمودعين أن يستحصلوا على ما تبقّى من الودائع كاملة من دون "هيركات"؟
نتخبّط حالياً في خمس أزمات نقدية، مصرفية، مالية، اقتصادية وسياسية. وبما أنّ حلّ الأزمة السياسية بعيد المنال وبواشر التوافق على بناء الدولة لا تلوح في الأفق، والتفاوض الرسمي مع صندوق النقد مستبعد حالياً، والخطة الحكومية "المرفوضة" لم تنجز، طرح رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود خطة تتناول فقط الأزمتين النقدية والمصرفية كما أوضح خلال لقائه مع "نداء الوطن"، يمكن أن يبدأ العمل بها منذ الغد، بهدف ترفيع المعايير المصرفية والتصنيفية المعتمدة إلى عالمية. مقسّماً الأزمة النقدية التي نغرق بقعرها إلى ثلاثة أوجه: "أزمة مصارف، مودعين، وسعر صرف وأنظمة دفع". أما الحلّ فهو بتأسيس مصرف جديد، تسديد أموال المودعين ورفع المعايير المصرفية إلى عالمية.
هل يمكن للمودعين أن يستحصلوا على ما تبقّى من الودائع كاملة من دون "هيركات"؟
موضوع "الهيركات" هو خارج الدستور والقانون، فلا يمكن استرداد المواطنين الودائع بأقلّ من قيمتها. لا لمعادلة أن يحصل المودع على جزء من أمواله ويخسر الجزء الآخر ويبقى المصرف قائماً. فإذا كان هناك استحالة في استعادة ودائع الناس نتيجة أزمة سيولة يجب إعادة برمجة تلك الودائع من دون الإقتطاع من قيمتها على الإطلاق.
كيف ذلك؟
هناك كما ورد في الخطة التي طرحتها إمكانية للتعاطي مع الودائع من زاويتين:
أولاً، الزاوية المقدسة وهي حفظ حقوقهم، ولا يوجد استحالة في القيام بذلك. هناك ملاءة موجودة في الدولة، مصرف لبنان والمصارف علينا استعمالها كلها من احتياطي "ألمركزي" وموجودات المصارف.
ثانياً، إعادة أموال المودعين من المصارف. وهذا الأمر يتعلق بالسيولة وبالدولار الأميركي، إذ لا يجوز عدم استخدام تلك الأموال الموجودة واقتطاع أموال المودعين بنسبة 50 و60 %، ويعتبر ذلك سرقة موصوفة كوننا نتعاطى مع المسألة بأزمة سيولة وليست ملاءة.
فأزمة السيولة تُحلّ بتصحيح الوضع المصرفي في البداية، وهنا على المودع أن يفهم تماماً أنه لا يمكن استعادة أمواله إذا أفلست المصارف، وبدورها المصارف لا يمكنها بالتالي أن تستمرّ إذا كان المودع سيخسر أمواله.
دور مصرف لبنان
أين السلطة الناظمة وهي مصرف لبنان في تلك المعادلة؟
على مصرف لبنان والدولة التفهّم استناداً إلى المادتين 75 و113 من قانون النقد والتسليف أن هناك أزمة سيولة يجب معالجتها حفاظاً على القطاع المصرفي والمودعين. والأزمة الحاصلة أن هناك شبكة دفع داخلية غير منتظمة، لا يعلم المودع أية وسيلة دفع يجب أن يستخدمها، هل يدفع بالدولار النقدي أو بالليرة اللبنانية أو شيكات دولار أو ليرة؟، علماً أن هناك فروقات كبيرة ما بين شيك بالدولار والدفع النقدي بالدولار والدفع نقداً بالليرة اللبنانية والشيك بالليرة.
في الفترة الماضية، وتحديداً منذ العام 1988، كنا نسير في نظام نقدي "غريب عجيب"، فأجرينا مقاصة داخلية بالدولار الأميركي، واعتمد هذا النظام النقدي، وكان وقتها يتناسب مع أوضاع البلد، لكن اليوم الوضع انفجر وعدنا إلى الوراء، من هنا ضرورة العودة إلى الأصول والممارسات الصحيحة في نظام الدفع وإنشاء شبكة دفع بالعملة المحلية مع احترام وإبقاء حرية التحويل من دون أي تدخّل فنعود إلى النظام الحرّ الذي عرفه لبنان من تاريخ إنشائه. من دون اعتماد حلّ المعادلة المثلثة المؤلفة من المصارف والمودعين وشبكة الدفع، لا يمكن حلّ الأزمة النقدية.
كيفية تطبيق الخطة
هل يمكن إنجاز تلك المعادلة، في ظلّ التخبّط السياسي الذي نعيشه؟
الخطة التي وضعتها يمكن البدء بتنفيذها منذ الغد. فهي لا تحلّ أزمة لبنان خاصة الأزمات المالية والإقتصادية والسياسية، إنما الأزمة النقدية والمصرفية وتسديد أموال المودعين من دون "هيركات".
وتقوم الخطة على تأسيس مصرف لبنان بنكاً محلياً لا رابط دولياً له يقوم بشراء ودائع الأفراد والمؤسسات والشركات غير المالية من المصارف بالعملة الأجنبية مع سجل حركتها منذ 2019 باستثناء الودائع الجديدة، ويحرّر المصارف من الأعباء وخطر التعرض لحالات التوقف عن الدفع. على أن تدفع المصارف الكلفة الصحيحة ويصار إلى تغطية هذه الودائع المحولة من خلال تملّك المصرف الجديد موجودات البنوك.
معركة المواجهة بالمعايير
ألا يتطلّب ذلك تعديلات قانونية، وبرنامجاً إصلاحياً شاملاً؟
اقتراحي يحتاج إلى قانون لتنظيم تصفية المصرف الجديد. وتعاميم مصرف لبنان يجب أن تُعدّل لتتناسب مع المعايير الدولية في مستويات الملاءة والسيولة والرافعة المالية والحوكمة، عندها ومع تحرير المصارف من الأعباء التي سببتها لها الممارسة السابقة من السلطة الناظمة والدولة، سترقى بمعاييرها.
هذه معركة لمواجهة وكالات التصنيف وحتى صندوق النقد الدولي، فإذا كان التصنيف السيادي لا يزال في أدنى مستوياته نتيجة الأزمات السياسية، الإقتصادية والمالية أصبح القطاع المصرفي في أعلى مستوياته على أمل أن تخترق المصارف في التصنيف قاعدة ألا يتجاوز تصنيف المصارف التصنيف السيادي.
رأي صندوق النقد
هل طرحت الخطة على صندوق النقد الدولي وهل تتوقع أن يوافق عليها؟
قدّمت الخطة إلى حاكم مصرف لبنان وإلى صندوق النقد الدولي، ولا أنتظر من الأخير إلا التجاوب لأن الإقتراحات تتلاءم مع معايير "بازل" وتلك المعتمدة من وكالات التصنيف والمقاييس المحاسبية الدولية.
هل يمكن أن تمهّد الخطة للتوصّل إلى اتفاق رسمي للتفاوض مع "صندوق النقد"؟
المحادثات مع صندوق النقد "متعة"، في حال لم نعتمد المعايير الدولية ينبّه صندوق النقد الدولي إلى ضرورة السير بها. وإذا كان لدى الصندوق وجهة نظر مغايرة سنكون مستمعين جيدين.
برأيي، إذا لم تصبح المصارف في هذا الوضع من السيولة والملاءة وشفافية الموجودات والمطلوبات وحررناها من الأعباء، لا تستطيع أن تستمر وتواجه صندوق النقد الدولي. إذا لم تلتزم بتلك المعايير من خلال استقطاب أموالها من الخارج تخرج من السوق.
خلافنا مع صندوق النقد الدولي كان دائماً وتحديداً في السنوات الخمس الأخيرة، عدم السير على السكة الصحيحة لجهة اتباع المعايير الدولية في النظام المصرفي والنقدي والمالي والسياسي كاملة. كنا نتعامل مع تلك المعايير استنسابياً في تحميل أثقال الأوزان للمصارف كي نظن أننا مناسبون للملاءة الدولية وإنما كنا خارج المعايير بصورة صحيحة. لدينا نمط عمل وتقييم مختلف عن سائر الدول والمعايير المعترف بها لذلك لا يوافق على مخططنا.
ماذا عن طريقة الدفع التي يجب أن تتّبع في التداول؟
كل الدفع يكون بالليرة مقابل سعر موحد. اليوم لا يستطيع التاجر أن يحوّل الليرة اللبنانية إلى دولار وفق سعر معروف وموحّد من دون أية ضمانات.
من هنا اقترحت طريقة الدفع عبر البطاقة البيومترية من خلال الهاتف الخلوي فإذا كان لدى الفرد حساب بالدولار يمكنه أن يدفع بالليرة فيجري عملية الصرف رقمياً والمحول إليه يمكنه أن يتلقى المبلغ بالليرة اللبنانية أو يعيد تحويلها إلى دولار وذلك من الدولارات التي كان يمتلكها الفرد في محفظته، والأموال موجودة في مصرف لبنان، وهذا النظام في الدفع معتمد عالمياً.
هل يجوز زيادة الضرائب في الموازنة؟
فرض ضرائب على الناس كما جاء في الموازنة وجبايتها على أساس 20 ألف ليرة للدولار وعدم زيادة الرواتب والحدّ الأدنى للأجور الذي لا يزال بقيمة 675 ألف ليرة لبنانية أمر غير جائز. فالحدّ الأدنى للأجور يجب ألا يقلّ عن 5 ملايين ليرة أو 6 ملايين ولا يمكن أن يكون مليوناً ونصف المليون (70 دولاراً) أو مليونين، فالأسعار تتصاعد مقارنة مع العام الماضي رغم أن الدولار مستقر على 21 ألف ليرة وكانت كمية الدولارات التي تدفع أقلّ.
معالجة سعر الصرف
لا يعالج سعر الصرف وفق خطة حمود قبل إعادة تكوين القطاع المصرفي وتكوين شبكة دفع محلية موحدة بالعملة الوطنية القابلة للتحويل والتحاويل. من هنا يرى ضرورة: فتح باب الترخيص لمصارف رقمية برأسمال بالعملة الاجنبية، وقف المقاصة الداخلية بالعملة الأجنبية وحصر التحصيل النهائي من خلال الحسابات في الخارج، عدم الايداع لدى مصرف لبنان بالعملة الاجنبية مع حرية مصرف لبنان تحديد وتنظيم السيولة للمصارف بكافة العملات، إنشاء شبكة دفع محلية بيومترية بالعملة المحلية مع قبول السداد من خلال البطاقات الدولية وفقا لأسعار الصرف المحلية مع حرية التحويل التلقائي، إصدار بطاقات رقمية وبيومترية تكون مؤونتها بالدولار الاميركي وتستعمل داخلياً وخارجياً مع حرية التحويل اختيارياً مع إبقاء عملة السداد محلية، وإصدار بطاقات رقمية وبيرومترية بالليرة غير قابلة للتحويل إلى الدولار تلقائياً تستعمل للتسديد المحلي، وتصفية مراكز القطع يومياً من خلال صندوق قطع يديره مصرف لبنان بحسابات محلية بالليرة ولدى المراسلين بالأجنبي.
كيف يعمل المصرف الجديد؟
للحفاظ على حقوق المودعين، عملة الوديعة واستردادها كاملة، يقترح حمود نقل الوديعة إلى مصرف جديد خاضع فقط لتصفية ذاتية، يستحوذ على موجودات وودائع المصارف والأموال المتواجدة لدى البنوك المراسلة والبالغة 2,5 مليار دولار وسندات اليوروبوند ما عدا الدولارات النقدية أو «الفريش»، والأصول العقارية. كما سيحصل على صافي الودائع لدى مصرف لبنان بالعملة الأجنبية على أساس القيمة الحالية بما فيها التوظيفات الإلزامية. أما المصارف القائمة فيقتصر عملها على تحصيل السلف والقروض على أن تستكمل تسديد دينها ( أي عجز الودائع) بكامله للمصرف الجديد باعتبار أن الموجودات المستحوذ عليها لا تكفي لتسديد البنك الجديد كامل الودائع والإلتزامات. إلى ذلك، يترتب على المصارف القائمة خلال سنة الإلتزام بالمعايير الدولية أو الخروج من السوق. على البنوك تسديد العجز لصالح المصرف الجديد، زيادة رأسمالها بنسبة 10% من الأصول على ألا تقل عن 100 مليون دولار من أموالها الموجودة في الخارج، والإلتزام بنسبة ملاءة 18%، سيولة 150%، رافعة مالية 10% وحوكمة تفصل مجلس الإدارة عن الإدارة التنفيذية. وعدم السماح بتكوين مركز قطع مدين أو تجاوز المركز الدائن الموقوف بتاريخ التحويل. تلك الآلية تطلق عليها تقنياً نظرية المصارف السيئة أي تلك التي لا تقوم بعملها وفقاً لمعايير عمل المصارف والجيدة القابلة للحياة والإستمرار وزيادة رأسمالها والإلتزام بالمعايير.
المصدر | باتريسيا جلاد - نداء الوطن
الرابط | https://tinyurl.com/bdfdxrx8