المراكب السياحية في صيدا: حركة ناشطة على الخط البحري إلى "الزيرة"... أو "كزدورة"
ينتظر أصحاب المراكب السياحية في صيدا بفارغ الصبر موسم الصيف كل عام لكسب قوت يومهم، يعملون موسمياً على خط "برّي - بحري" مفتوح بين ميناء الصيادين وجزيرتها الصغيرة "الزيرة"، لنقل المتنزهين والعائلات والسباحين مقابل أجرة مالية ذهاباً واياباً، وسط تفاهم وتنظيم بين اصحابها، وصل الى حد جعل "الغلّة" واحدة ومشتركة يتقاسمونها غروب كل يوم.
وتعتبر "الزيرة" واحدة من الأماكن الشعبية يقصدها أبناء المدينة ومنطقتها وخاصة العائلات الفقيرة والمستورة، كملاذ للسباحة والإستجمام والترفيه عن النفس، أمام عجزهم عن إرتياد المسابح الخاصة نظراً لارتفاع رسوم دخولها، في ظل الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة والتقنين القاسي في التيار الكهربائي وإرتفاع درجات الحرارة، فيضطرون الى الانتقال اليها عبر المراكب السياحية.
في الميناء، يرسو اليوم 12 مركباً سياحياً مرخصاً من وزارة النقل وتملكها بالتساوي ثلاث عائلات صيداوية هي "الترياقي، رنو وسنبل"، تتوارث صيد السمك وقيادة المراكب واشغال الرافعات، وتديرها بالتوافق والتفاهم في ما بينها على مبدأ المداورة في النقل، وتستغرق الرحلة نحو 7 دقائق، إذ تبعد "الزيرة" حوالى الكيلومتر واحد ونيف عن البر، بينما تتفاوت احجام المراكب وتتسع ما بين 18 و20 و25 راكباً، ولكن مع تفشي جائحة كورونا" حرص اصحابها على نقل نصف العدد فقط.
ويؤكد أحد اصحابها عبد رنو لـ"نداء الوطن" ان عمل المراكب السياحية قانوني بالكامل، وهي تستخدم لأمرين: القيام برحلة بحرية "كزدورة" في البحر من دون النزول منها ولمدة ربع ساعة، وخاصة للسياح من خارج المدينة، أو نقل العائلات الى "الزيرة" للاستجمام والسباحة"، مشيراً الى ان "ظروف العمل في السابق أفضل وأكثر راحة، أما اليوم فنحن محاصرون بين اجراءات الوقاية من فيروس "كورونا" وتأمين السلامة العامة لجهة عدد الركاب و"سترات النجاة"، فيما الكلفة المادية ازدادت علينا اضعافاً مضاعفة في ظل الازمة الاقتصادية والغلاء"، قبل ان يضيف: "رفعنا الأجرة من خمسة آلاف (3 دولارات سابقاً) الى عشرة آلاف (أقل من دولار واحد) للفرد، واذا كانت عائلة تزيد عن الاربعة، فاننا نراعي ظروفها الى اقصى الحدود ونأخذ مبلغاً مقطوعاً، بخاصة الذين يقصدون "الزيرة" لانهم من أبناء البلد ونعرفهم.
وأوضح ان المهنة مثل غيرها لم تعد تغني او تسمن من جوع وبالكاد تسدّ الرمق، اذ نقوم بصيانة دورية للمراكب كل ستة اشهر، لجهة الدهان، واذا طرأ اي عطل ميكانيكي فان الدفع بالدولار، ناهيك عن المازوت او الزيوت التي تستخدم في المحركات وقد ارتفع سعرهما كثيراً، وفي الشهر المقبل نجدد الرخص القانونية والتأمين الالزامي سنوياً، فيما ننتظر كل يوم الركاب ونشهد حركة في نهاية الاسبوع، وتحديداً ايام الجمعة والسبت والاحد وفي الاعياد والمناسبات لتعوض علينا".
غرق وسلامة
في أيلول 2016، شهدت الميناء مأساة، غرق الزورق "محمد"، وتوفيت راغدة وليد الميس وابنتها هدى عبد الرزاق، اعتبر الحادث عابراً ولكن بلدية صيدا منذ ذلك الوقت، شددت على ضمان سلامة التنزه البحري، ويقول رنو: "اننا نحرص على توفير كل شروط السلامة العامة لجهة التقيد بعدد الركاب أو "سترات النجاة"، موضحاً انه قبل الحصول على الرخصة القانونية يجري الكشف على المركب ويكون بداخله 35 سترة نجاة، 20 منها للكبار و15 للصغار. واليوم مع تفشي جائحة "كورونا" نلتزم بنقل نصف العدد المسموح به ونطلب من الركاب ارتداء الكمامات، البعض يلتزم والبعض الآخر يجادل ويقول انها مساحة مفتوحة".
وما يساعد هذه المراكب في عملها انها تقع على خط سياحي ـ اثري ـ تاريخي، الى اليسار تقع قلعة صيدا البحرية والاستراحة وسلسلة مطاعم فاخرة وشعبية، والى جانبها ميناء الصيادين وامتداداً المرفأ، وفي المقابل مطاعم ومقاهٍ شعبية وخان الافرنج التاريخي ومداخل اسواق صيدا القديمة، التي يقصدها السياح الاجانب ومن مختلف المناطق اللبنانية وتشكل عامل جذب لهم.
ويؤكد ابو علي بوجي لـ"نداء الوطن" ان هذه المراكب متنفّس للناس للوصول الى "الزيرة" وبالرغم من زيادة اسعار نقلها الا انها تبقى مقبولة لقضاء فسحة بكلفة زهيدة، أقصدها وعائلتي في الصيف بشكل دائم، هي ارخص من المسابح الخاصة والسباحة آمنة والمياه نظيفة"، بينما يشكو فاروق حشيشو من ارتفاع الاجرة، ويقول: "يجب ان تبقى رمزية أو تدعم من الدولة لانها ليست مجرد مهنة بل تراث يجب الحفاظ عليها كمتنفّس لأبناء المدينة بعد تآكل الشاطىء الرملي".
المصدر | محمد دهشة - نداء الوطن | https://www.nidaalwatan.com/article/47266