غضب وغليان في المخيمات الفلسطينية... وعيون اللاجئين شاخصة إلى الجنوب وغزّة
يتدحرج الغضب في المخيمات الفلسطينية في لبنان ويكبر ككرة الثلج رفضاً للعدوان الاسرائيلي على غزّة ومحاولة تدنيس المسجد الاقصى وإخلاء حي "الشيخ جراح" في القدس. وبالرغم من الضائقة المعيشية وجائحة "كورونا" لم تهدأ حركة الاحتجاج فيها، اذ لا يمضي يوم الا وتنظّم فيه مسيرة أو وقفة تضامن او اعتصام، وقد توّجتها بالالتزام بالاضراب العام تزامناً مع الداخل للتأكيد على إلغاء الفواصل الجغرافية.
في مخيم عين الحلوة الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، ويقطنه اكثر من 90 الف نسمة وسط ظروف مأسوية من فقر مدقع وبؤس، يجتاح الغليان ابناء المخيم، يتوزع اهتمامهم بين من يتابع شاشات الفضائيات متأثّراً بسقوط الشهداء والجرحى والدمار الهائل، وبين من يستعدّ للمشاركة في مسيرة او اعتصام او وقفة نصرة لغزّة، وبين من ينتظر فرصة للتوجّه الى الجنوب والوصول الى الحدود للتعبير عن التضامن على طريقته الخاصة، من دون ان يخلو الامر من دعوات شبابية الى فتح جبهة الجنوب والمشاركة في المعركة التي يعتبرونها "مصيرية".
الحاج علي البني "أبو الفهد" (76 عاماً)، واحد من هؤلاء، يجلس داخل منزله المتواضع في "حي الطيرة" الذي تملأه صور الشهداء والقادة، ينفث سيجارة ويرتشف فنجاناً من القهوة ويراقب شاشة التلفاز والاخبار العاجلة، يقول لـ"نداء الوطن": "ما تقوم به اسرائيل جريمة حرب، قبل ثلاثة وسبعين عاماً وقعت النكبة وآن الاوان اليوم ان تنتهي فصولها البشعة، ادعو الله ان تكون القذائف والصواريخ الاسرائيلية برداً وسلاماً على شعبنا، فنحن مقصّرون تجاههم لو بيدنا حيلة لفعلنا اكثر من ذلك ولم نتردّد في نصرتهم".
و"أبو الفهد" واحد من المقاتلين القدامى و"أبو شهيد" قدّم ولده عمر على طريق تحرير فلسطين ابّان الاجتياح الاسرائيلي لبنان العام 1982، حين أغارت الطائرات الحربية على موقع لـ "جبهة التحرير الفلسطينية" في البقاع، سقط مع رفيقين له، ودفن في "مقبرة الشهداء" في مخيم اليرموك في سوريا، يقول: "اليوم قرأت الفاتحة عن روحه وقلت له مجدّداً كما افعل عادة عند كل مواجهة مع اسرائيل، نمْ قرير العين فإنّ ابناء شعبك يواصلون المسيرة وستنتهي عاجلاً أم آجلاً بالنصر والعودة الى ديارنا"، مؤكداً انّ "الوحدة الفلسطينية المدماك الاول للتصدّي للعدوان وتحقيق الانتصار".
والوحدة الفلسطينية جسّدها على ارض الميدان سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبّور الذي حمل راية "حماس" الى جانب راية "فتح" والعلم الفلسطيني خلال مشاركته في مسيرة نظّمتها فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" في المخيم، قائلاً: "إننا فلسطينيون موحّدون وتجمعنا قضية عادلة ولها وبها ننتصر في هذا الزمن الرديء.. ولتذهب الصفقات والمؤامرات والمشاريع إلى الجحيم، ونقول هذه فلسطين العصيّة على كل المشاريع وسينتصر فقط مشروع واحد وهو مشروع تحرير فلسطين". في خضمّ دورة الحياة اليومية لا تغيب سيرة فلسطين، لا تزال الأحياء تحمل أسماء القرى والمدن والشوارع والدكاكين اكتسبت اسماءها، ولا يزال الكثير من سكان المخيم يحتفظون بسندات التمليك لاراضيهم ومنازلهم إلى جانب "مفتاح الدار"، والجدران تحوّلت لوحاً مفتوحاً تكتب عليه الشعارات الوطنية، الى جانب صور الشهداء التي تحوّلت ايقونة لتكشف مدى انغراس تفاصيل الحياة بفلسطين المحتلة، والتواصل مع ما يجري فيها، تشتعل حيناً وتخبو أحياناً تبعاً لتطورات الأوضاع هناك.
ويقول الناشط الشبابي محمد حسون لـ"نداء الوطن": "منذ بدء العدوان على غزّة وتسود المخيم حالة حزن وغضب، غابت بهجة عيد الفطر المبارك ولكنه حضر بنكهة المقاومة والصمود، وانشغل الناس في كيفية التعبير عن التضامن مع ابناء جلدتهم، صحيح انّ كل الحراك لم يرقَ الى المستوى الذي نريد، ولكننا لا نستطيع ان نقف مكتوفي الأيدي"، مضيفاً: "إنّ المخيمات متضامنة مع فلسطين بقلبها وروحها وحركتها وكثيراً ما اندفع الشباب الى تنظيم مسيرات عفوية او وقفات تضامنية، وأتمنى ان تتصاعد وتيرتها أكثر"، مؤكّداً انّ "ما جرى على الحدود الجنوبية يدل على انّ الشعب توّاق للعودة ولو كان الثمن الدماء".
ويقول حسن مرعي: "لقد مرّت علينا حروب كثيرة ومنها على غزّة ولكن هذه المرة الامر يختلف، فما نشاهده على شاشات التلفزة يدمي القلب، انه حقيقي وليس فيلماً حربياً"، قبل ان يضيف بغضب: "اسرائيل لا تلتزم بالقوانين الدولية وتقصف المنازل وتقتل العائلات والاطفال والابرياء، وبالرغم من هذا الحزن فإننا نفخر بصمود شعبنا وبالمقاومة التي تلقّن العدو دروساً في البطولة، وابناء المخيمات مستعدّون لنصرتهم بالدماء وعيونهم شاخصة الى الحدود الجنوبية".