صيدا سيتي

مرفأ صيدا في زمن التحولات ودوره في خدمة المدينة؟ | بقلم المهندس المعمار محمد دندشلي

صيداويات - الأربعاء 28 نيسان 2021
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload

عذراً صيدا....

نعترفُ أمام الله الواحد... نعترفُ

أننا لم نُنصفكِ ولم نرحمُكِ...

لأننا جرّحناكِ ... وأبكيناكِ... وأهديناكِ مكان الوردةِ سكيناً... (مقتبس)

يستمر ويتجدد النقاش بين مختلف مكونات المجتمع الصيداوي اليوم، حول موضوع الواجهة البحرية للمدينة، وهو موضوع يعاد اثارته عند كل قضية لها طابع تنموي وكل مناسبة يطرح فيها مشروعاً يطال تخطيط المدينة وتنظيمها، نظراً لأهمية ساحل المدينة وما يحتويه من عوامل الجذب التاريخي والثقافي والطبيعي (التي تشكل أساس تكون المدينة)، وقدرة هذا المعطى وتأثيره التنموي على اقتصاد المدينة ان أُحسن التعامل معه واستثماره.

وهذا النقاش ليس بجديد فقد بدأ مباشرة بعد الاجتياح الإسرائيلي السافر في العام 1982 وتدميره عدداً من مباني صيدا القديمة الملتصقة مباشرةً بالبحر في محيط مرفأ الصيادين مما أحدث تغيراً في بنية المدينة المعمارية.

وكان الرأي آنذاك بين خيارين إما إعادة ما تهدم واعادة وصل المدينة بالبحر، أو إنتهاز الفرصة لتمرير الاوتوستراد البحري الحالي. واستمر النقاش منذ ذلك الحين بين مؤيد ومعارض لمرور الأوتوستراد وهذا ان دل على شيء فهو يدل على اهمية المدينة بالنسبة للجميع، ولسنا هنا بمعرض التقييم السلبي او الإيجابي بل في اتخاذ العبر والاستفادة من التجارب لما هو آت.

سأتناول في هذه العجالة موضوع الواجهة البحرية الجنوبية ومكوناتها ولاحقاً موضوع مرفأ الصيادين ومحيطه والاعمال الجارية في محيط بحر العيد.

المرفأ الجديد

ان انشاء مرفأ على شاطئ مدينة صيدا عند اهم موقع بحري تاريخي، يعني في منطق تنظيم المدن، اعادة ترتيب الشاطئ الصيداوي بمجمله، كما انه لا يمكن إنشاء مرفق حيوي الى جانب مرفأ الصيادين التاريخي، بمعزل عن التصور العام وخطته الجديدة للوجهة الاقتصادية والتنموية التي تحتاج اليها المدينة ومحيطها، فاين هي الخطة وما هو هدفها؟ وما هي ركائزها ومدى ملاءمتها للتحولات الاقتصادية والسياسية والافلاس المالي الذي نعيشه؟.

من الواضح ان انطلاق شرارة انتفاضة 17 تشرين، وما رافقها من زعزعة لأركان المنظومة السياسية ولبنية النظام السياسي نفسه، دفعت المكونات السياسية المتسلطة للعمل على تكريس وجودها الجيوسياسي، عبر تثبيت مقومات الحياة في الحيز الجغرافي والاجتماعي الخاضع لسيطرتها، بانتظار ما ستسفر عنه التحولات السياسية في المستقبل.

وعليه وتحت وطأة الخراب وانحلال الدولة وافلاس منظومة النظام واركانه، علينا اعادة التفكير في طرح ومناقشة الدور الاقتصادي للمدينة ومحيطها الجغرافي، واسس التنمية الاقتصادية المتوفرة انطلاقاً من معرفة حقيقة لقدرة المدينة وامكاناتها الاستيعابية من جهة، وقدرة البنى الاجتماعية ودورها في اي دور مقترح من جهة ثانية.

في شهر شباط من العام 2019 بادر تجمع (علِّ صوتك) لفتح نقاش حول الوضع الاقتصادي لمدينة صيدا على أثر تقدم الاشغال في المرفأ الجديد الذي أسقط على المدينة كالقضاء والقدر، ووجهت دعوة عامة للمشاركة في حلقة نقاش عقدت في بلدية صيدا في 28/2/2019 حول المخطط التوجيهي للواجهة البحرية الجنوبية لمدينة صيدا ومناقشة الخيارات المتاحة وذلك.

عطفاً على المرسوم رقم 3093 الصادر 31/5/2018 والذي اجاز لبلدية صيدا اشغال مساحة 505 الاف متر مربع بعد ردمها واستصلاحها ووضع مخطط توجيهي لاستعمالاتها بعد موافقة وزارتي البيئة والاشغال عليه، والذي عليه ان يحدد وجهة استعمال المرفأ الجديد المتأرجحة بين التجاري او السياحي او الاثنين معاً من جهة ومن جهة، ثانية دور ومستقبل منطقة الردم المحاذية للمرفأ ووجهة استعمالاتها والتي بدورها ستحدد الى حد كبير اسس التنمية الاقتصادية للمدينة والمحيط ومسارها.

اذاً نحن امام ثلاث عناصر يمكن ان تشكل اساس لبناء دورة اقتصادية متينة ومنتجة:

1- مرفأ الصيادين والمدينة القديمة ( سياحة )

2- المرفأ الجديد ( سياحة وتجارة)

3- منطقة الردم - ساطلق عليها اسم ( المنطقة الاقتصادية الخاصة)

انطلاقاً مما تقدم علينا جميعاً، وأعني بذلك كافة القوى السياسية والاقتصادية والتجارية والصناعية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني برعاية السلطة المحلية البدء بفتح نقاش لصياغة خطة للنهوض الاقتصادي بالمدينة انطلاقاً من تحديد ما نريده من المدينة.

- مدينة خدمات واستيراد كل شيء؟ أم مدينة الانتاج والتصدير؟

- مدينة للتجارة والتخزين والاهراءات؟ أم الاستثمار واستباحة كل شيء في التجارة؟

- مدينة لشركات النفط في بلد يتحضر للتنقيب عن النفط والغاز؟

- أم مدينة للسياحية  والترفيه تستفيد من موقعها وتاريخها واثارها؟

المرفأ دوره وانعكاساته

من العبث بحث انشاء مرفأ لمدينة صغيرة متواضعة كمدينة صيدا، وفق قواعد الشركات الكبرى ومصالحها التي تتعدى الدور المتواضع للمدينة (والمفروض المحافظة عليه).

ومن الخطأ ايضاً ربط اقامة منشآت ضخمة على شاطئ المدينة، وفق قواعد هذه الشركات وخدمة لشركات النفط والغاز؟ وليس وفقاً للحاجات المحلية وانسجاماً مع النظم الاجتماعية والمعطى الطبيعي التاريخي للمدينة.

لذلك المطلوب من الجميع وفي مقدمتهم السلطة المحلية وفي هذه اللحظة التاريخية البحث لتحديد قواعد واسس وجهة التنمية الاقتصادية (للمدينة والجوار) انطلاقاً من المعطى التاريخي الاجتماعي وليس وفق قواعد السوق التي اثبت فشلها واوصلت البلاد الى ما وصلت اليه.

كذلك يبقى السؤال مشروعاً عن المظلة السياسية التي ستحكم عمل المرفأ: هل هي سياسة المرفأ المركزي أم سياسة المرفأ اللامركزي؟

وهل سيكون تحت اشراف سلطة الدولة اللبنانية فقط؟ ام انه سيشكل منصة واقعية لتهريب البضائع وتخزين المواد الخطيرة والتهرب من الجمارك والضرائب خدمة لاقتصاد موازي؟ وخدمةً للشركات الاستثمارية وأصحاب النفوذ.

وكيف يمكن ان نخفف من الاضرار التي ستنتج عن حركة المرفأ، وما يرافقها من تلوث بيئي للهواء والضجيج الناتج عن الاليات والشاحنات، وانعكاسها على المدينة والمحيط الاجتماعي، في هذا الفضاء المتفلت من كل قيد والمفتوح كالعادة على اعمال تجارية مع شركات عالمية واقليمية مختلفة، تبحث دائماً عن موطئ قدم، لدرجة يأمل فيها المواطنون ان يكون لهم مكان او دور فيه.

ان الهدف الأساسي يبقى في جعل المرفأ ودوره في خدمة أهالي صيدا وليس العكس، وأن لا يشكل ملاذاً للتهريب وتبيض الأموال ومكاناً للخارجين عن القانون في عالم البحار.

من هنا لا يمكن النظر الى دور المرفأ الجديد الا من خلال رؤية شاملة للمدينة وطبيعتها وتراثها، والى كامل الشاطئ الذي يشكل جزاءً لا يتجزأ من المدينة.

وعليه ونظراً لطبيعة ومكان المرفأ، والخطأ التاريخي الذي ارتكب بحق المدينة وعدم ملائمة الأعماق اللازمة لرسوّ السفن، والخطأ الانشائي لوجود الرصيف على الجانب الغربي بمحاذاة كاسر الموج، لا بد من تحديد دور المرفأ وجعله للتجارة الخفيفة والسياحة في آن لتجنب اثاره السلبية، فان وضع الخطط التنموية للمدينة يجب ان ينطلق من مبادئ واسس لا يمكن تجاوزها.

اولاً: ان أي مشروع كبيراً كان ام متوسطاً على الشاطئ الجنوبي أم الشمالي ان يراعي البيئة الاجتماعية في بعدها الحضري والتاريخي وعليه ان يكون في خدمة الناس وليس العكس.

ثانياً: ضرورة احترام المعطى الجغرافي الطبيعي في بعده الثقافي والتاريخي.

لذلك يجب تجنب الاعمال التي تؤول الى تغيير طبيعة المكان ان عبر المزيد من عمليات الردم، او استحداث منشئات ضخمة عملاقة تنعكس سلباً على البنى التحتية والاجتماعية، وتزيد أكثر فأكثر في فصل المدينة عن البحر وحجب رؤيته، فهذا بمثابة تعدي على حقوق الناس بحرمانهم من الوصول الى الشاطئ وحق التمتع به حاضراً ومستقبلاً.

يتبع مرفأ الصيادين ودوره في تنمية المدينة.

المصدر | بقلم المهندس المعمار محمد ندندشلي -  الإتجاه | https://tinyurl.com/y9hvdye5


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 989039006
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2024 جميع الحقوق محفوظة