كامل كزبر: "روح الإيمان تنعم في ذكرى عبد الرحمن حجازي - قائد تربوي يبقى حاضراً في أرواح الصيداويين"
مقابلة مع الأستاذ كامل كزبر:
في لقاء طويل وممتع مع الأستاذ كامل كزبر، انطلقنا في رحلة لاستعراض الذكريات القديمة والتجارب الرائعة المتعلقة بالدكتور عبد الرحمن حجازي، الشخصية التي خلّفت أثرًا واضحًا في حياة الكثيرين. كانت هذه الرحلة مليئة بلحظات الجمال والتأمل، وفي هذا الحوار الأدبي سنعيش تلك اللحظات بأسلوب يجسد عمقها وتأثيرها.
في محيط الغربة، وعبر أطياف الهاتف البعيد، تلاحقت كلمات الحديث مع الأستاذ كامل كزبر، عضو المجلس البلدي والرئيس السابق لجمعية أصدقاء زيره وشاطئ صيدا. كان محور الحديث يدور حول فقدان المدينة لأحد أبرز شخصياتها، الدكتور عبد الرحمن حجازي. بكلمات مؤثرة تعبّر عن غمر حزنه واحترامه العميق لهذا الرجل، والذي ترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة المكان.
"أبا عثمان"، كما كان يُلقب به، رحل وترك خلفه إرثًا لا ينسى، فقاد ببراعة فريق تعليمي نثر بين زماميه الإلهام والتفاني. من خلال قيادته لثانوية الإيمان في صيدا، نسج الدكتور حجازي خبرته التربوية بأسلوب يمزج بين القوة والتواضع. رسمت سيرته العظيمة صورة اندمجت مع جمال البرتقالية في صيدا، وترك وراءها ذكريات طيبة وروحًا نقية خلّدت أثرها في نسيج المجتمع.
بوصفه مشرفًا تربويًا ومديرًا لدورات القرآن الصيفية التي تُنظمها المدرسة باسم هيئة الدعوة الإسلامية، والتي تتألف من المركز الثقافي الإسلامي وجمعية جامع البحر ودار رعاية اليتيم ورئيس الهيئة مفتي صيدا ، لم يكن مجرد معلم، بل كان قائدًا يلهم الشباب، يشجعهم على تحقيق إمكانياتهم الكاملة.
في حديث الأستاذ كزبر، يظهر واقع تفاني الدكتور حجازي الذي عاش وفقًا لقيمه ومبادئه. لم يكن مقتصرًا على مجال التعليم، بل شملت إسهاماته الإعلام الإسلامي، حيث تألق في إذاعة الإسراء ببرنامجه "سعدو حسون.
كانت اللقاءات الأولى مع الدكتور حجازي في مسجد الموصلي، حيث كان الأستاذ كزبر يشير إلى علاقة والده (المرحوم الأستاذ الحاج عبد الكريم كزبر) الطيبة مع الدكتور حجازي. يروي كزبر تفاصيل لقاءاتهم في مسجد الموصلي في صيدا، حيث كان الدكتور حجازي في بعض الأحيان يؤم المصلين ويجتمع بعد الصلاة بوالد كزبر (المربي الفاضل ورجل البر والاحسان والعمل الخيري والتربوي والاجتماعي) لمناقشة قضايا التعليم والثقافة الإسلامية وخاصة في امر مدارس الايمان والمركز الثقافي الإسلامي.
أضاف الأستاذ كامل كزبر " لا يمكنني أن أنسى اللحظة التي انتقلت فيها من مدرسة الإيمان إلى مدرسة أخرى بعد تخرجي، ولكن كنت ألتقي ب الدكتور حجازي في كل صيف خلال الدورة القرآنية التي تُقام في مدرسة الإيمان. كان يُشرف على هذه الدورة الدكتور عبد الرحمن، وكان والدي رحمه الله يحرص على تسجيلي فيها. كان مثالاً للمعلم الهادئ في أسلوبه وكلماته، وكان لطيفًا في التعامل مع الصغار والكبار هناك لحظة لا يمكنني نسيانها والتي تظهر صورة قوية لتفاني وتواضع الدكتور عبد الرحمن حجازي. في ذلك اليوم، كنت أشاهده وهو يقوم بحمل الطاولات الجديدة للتلاميذ على كتفه. هذه اللحظة لا تعكس فقط العمل الجاد والاهتمام بالتفاصيل، ولكنها تعبر أيضًا عن روح التواضع والتفاعل المباشر مع مجتمع المدرسة. ربما كان ذلك يومًا عاديًا للبعض، ولكن بالنسبة لي، كانت لحظة استثنائية تظهر جانبًا إنسانيًا ومهنيًا قيمًا. يحمل الدكتور حجازي الطاولات على كتفه ليس فقط كمساهمة في ترتيب المدرسة، ولكن كرسالة حية تعكس التواصل المباشر والتفاعل الفعّال مع احتياجات الطلاب والمجتمع المدرسي. هي لحظة تعكس التواضع والقيادة بالفعل، وهي تبقى في الذاكرة كرمز للتفاني والتواصل الإيجابي في مجال التعليم، وهو المدير لدورات القرآن الصيفية في تلك الفترة. كان مخلصاً ووفياً لعمله، وفارساً للمنابر، وكان له دور بارز في كل فعاليات المركز الثقافي ومدرسة الإيمان والأوقاف، لقد كان مخلصا ووفيا لعمله، فلا يوجد مناسبة، او نشاط للمركز الثقافي، او لمدرسة الايمان، او للأوقاف إلا وكان للدكتور عبد الرحمن دور بارز فيها. مرت الأيام وتواصلت اللقاءات وتصبح علاقتي به قوية، خاصة بعد إكمال دراستي الجامعية وانتقالي إلى مدرسة الطفولة لتدريس مادة الرياضيات. كان الدكتور حينها مشرفًا تربويًا للمدرسة، وكان ناصحًا جيدًا ومرشدًا فعّالًا. كان مخزنًا ثقافيًا حيث تبادل الأفكار والمعلومات والتجارب، وكان يتميز بالجرأة والابتكار في الأنشطة والبرامج.
في عام ١٩٩٢، تأسست إذاعة الإسراء في صيدا، وكنت مسؤولاً عن العلاقات العامة، وكان الدكتور مديرًا للبرامج. كان له بصمة خاصة في الإذاعة، وشارك في بناء شخصياتنا ودفعنا نحو التميز والريادة. كان لديه تأثير كبير على تطوير البرامج وجعلها محط جذب للجماهير.
رحم الله الدكتور عبد الرحمن حجازي، الذي كان له قلم سيال وفكر مبدع، وافكار متجددة، وروح مبادرة. كان يتميز بمهارة في نسج العلاقات وزرع الثقة في نفوس الآخرين، دافعًا إياهم نحو التقدم والتميز. كان ذكيًا لماحًا ومقدامًا، ولحوحًا، وكان لديه مثل أخذته عنه، مثل يعكس حكمته وتجربته: "إذا بدك تاكل سمك استسمك".، أي كن لجوجا لحوحاً حتى تحقق ما تريد.
يمكنني أن أقول إنه كان مبدعًا فنانًا، أديبًا، مؤرخًا، عالمًا بمدينة صيدا وتفاصيلها. طلب مني يومًا تقديم برنامج "ذكرياتي في رمضان"، حيث عُرض في كل أيام الشهر الفضيل، وكان يستضيف كبار العمر ليشاركوا صور طفولتهم في رمضان في الأوقات الجميلة. كان يختار الأشخاص بعناية وكان على دراية بقصصهم وتاريخهم. لقد كان مرجعًا ثقافيًا ولغويًا واجتماعيًا في المدينة، موسوعة من المعلومات والأفكار.
ومن ثمة، يتبادر إلى الذهن البرنامج الشهير "سعدو وحسون" الذي كتب الدكتور أكثر من ألف حلقة منه. كان البرنامج الصغير الطريف الذي دخل البيوت وأحبه الكبار قبل الصغار، وكان يعالج مشاكل الناس بأسلوبه الفكاهي التربوي، لأنه يتطرق إلى حياتهم اليومية كما تم عرضه ودبلجته في أكثر من بلد.
لقد كان للدكتور أثر كبير عليّ، خاصة عندما طلب مني العمل على إعداد برنامج تربوي للأطفال، وكان يُطلق عليه اسم "براعم الإسراء ونادي المسلم". طلب أيضًا إعداد فرقة للأناشيد من الأطفال، وكان يكتب بعض أناشيدها. كما قمنا بتقديم عروض مسرحية ومسابقات لأول مرة، بطولة أطفال صغار.
في عمله عبر موجات إذاعة الإسراء، خطف الدكتور عبد الرحمن حجازي الأنظار بصفة لا تُفارقه، وهي "الطيب". أثيرت هذه الصفة الراقية لدينا، تساؤلات تتداول في تفاصيل حياته الداخلية، هل هذا الطيب يُظهر لنا طيبة قلبه وتواضعه، أم هو ركيزة تأسيسية نابعة من إتقانه لفنون التواصل والتفاعل الاجتماعي؟
تتألق الطيبة في حياة الدكتور حجازي كنجم ساطع ينبثق من بطن القلب، حاملًا معها قيم الأخلاق الرفيعة والتصرفات الرشيقة. يتجلى هذا الطيب في تعامله المتفرد، مشيرًا إلى تفوقه في تحفيز البيئة المحيطة وترك انطباع إيجابي يملأ الأجواء بالدفء والهدوء.
وبهذا الصدد، يتجلى الطيب في تفاعله الرائع مع الجمهور، حيث يبرع الدكتور حجازي في فنون التواصل والتفاعل الفعّال. يُعَبِّر هذا الاقتران الفريد عن مهاراته الفائقة في جعل الآخرين يشعرون بالراحة والقرب، كما لو كان يخاطب كل فرد بلغة قلبه.
وكما يعزف الطيب أيضًا على وتيرة التواضع والاستماع الفعّال. يتجلى هنا تجاوبه مع وجهات نظر الآخرين، حيث يبدي استعدادًا كبيرًا للاستماع بتأنٍ وتركيز على آراء وأفكار المحيطين به. يظهر الدكتور حجازي كمحدث للفضاء بشخصية ملهمة، ترتقي بالتفاعل الإنساني إلى مستوىً فني ينبض بالحياة والتألق.
كان دائمًا موجهًا ومتابعًا لإعدادهم وتدريباتهم، وبعد إغلاق الإذاعة، أصبح هؤلاء الصغار الكبار قادة في كشافة الفاروق، يقودون الجمعية الرائدة بأعمالها وأنشطتها. رحم الله الدكتور عبد الرحمن، الذي كان مدرسة متكاملة في اللياقات والأدب والهمة. برحيله، فقدت رجلاً ترك بصمته في حياتي، ونسأل الله أن تكون أعماله في ميزان حسناته يوم القيامة.
سيرة حياة الأستاذ كامل عبد الكريم كزبر باختصار:
حياة الأستاذ كامل عبد الكريم كزبر ملهمة ومثيرة، فقد حصد درجة الليسانس في الرياضيات ثم الماجستير في الادارة التربوية ويحضر الان الدكتوراه في القيادة التربوية مما أضفى على مساره ميزة علمية وتربوية. بدأت رحلته المهنية عندما درّس مادة الرياضيات ثم بعد ذلك تسلم مسؤولية إدارة مدارس الإيمان وكان أصغر مدير في مدينة صيدا في ذلك الوقت، حيث قاد فريق التدريس ببراعة وشغف ونقل المدرسة من مدرسة رائدة على الصعيد المحلي إلى مدرسة ذات سمعة عالمية.
وفي دوره الفعّال في المجتمع، شغل مناصب متعددة، بدايةً من عضوية في الشبكة المدرسية في صيدا والجوار، وصولاً إلى رئاسة شبكة المؤسسات التربوية في لبنان، والرئيس السابق لجمعية أصدقاء زيرة وشاطئ صيدا ورئيس فخري لجمعية كشافة الفاروق، هو رمزًا للقيادات الاجتماعية، يعمل على توجيه الشباب نحو الأنشطة الثقافية والترفيهية والاجتماعية والبيئية والكشفية، مساهمًا في تطوير المجتمع المحلي. يبرز إسهامه الكبير في الأعمال الخيرية والتطوعية، حيث شغل مناصب عديدة في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وجمعية المركز الثقافي الإسلامي الخيري وجمعية التنمية والنهوض الاجتماعي.
الأستاذ كامل قائدًا ملهمًا للشبان والشابات، ناقلًا للقيم والأخلاق. وكعضو في الجمعية العلمية للروبوت، شارك في تقديم إسهامات قيمة لتطوير مجال التكنولوجيا والابتكار والتي ظهرت جليا في مدرسة الايمان التي تميز تلاميذها بمجال البرمجة والروبوت والتي حصدت جوائز محلية ودولية. وكعضو في المجلس البلدي، أظهر فعاليته وكفاءته في صياغة السياسات المحلية ودعم مشاريع التنمية إضافة إلى نجاحه في كافة الملفات التي أوكلت اليه من قبل المجلس البلدي، في ختام هذه السيرة الملهمة، يظل الأستاذ كامل عبد الكريم كزبر رمزًا للتفاني والعمل الجاد في خدمة المجتمع وتنمية الأجيال الصاعدة على الرغم من وجوده خارج البلاد
معد المقابلة مع الأستاذ كامل كزبر: د. مصطفى عبد الرحمن حجازي