تحالفات انتخابية غريبة وهجينة... "المصلحة" لا تبرّر "الوسيلة"!
مجدّدًا، وكما في دورة العام 2018، تسجّل الانتخابات النيابية المُنتظَرة منتصف أيار المقبل، سقوطًا "أخلاقيًا"، إن جاز التعبير، للكثير من القوى والشخصيات السياسية، ولا سيّما منها ذات الحيثيّة والوزن، مع غياب "المبدئية" التي لا بدّ منها في العمل السياسي، إلى جانب "البراغماتية" المطلوبة بطبيعة الحال، لصالح "مصلحة" آنيّة، قد لا تقدّم وتؤخّر الكثير.
فمع انتهاء مهلة تسجيل اللوائح التي ستخوض الاستحقاق النيابي هذا الأسبوع، وبالتزامن مع تكثيف الحملات الانتخابية في ضوء اقتراب "اليوم الموعود"، ظهر "المستور" بشكل أو بآخر، ليفرز "غرائب وعجائب" التحالفات التي لجأت إليها بعض القوى السياسية، في محاولة لانتزاع "صوت" بالزائد هنا أو هناك، ولو تطلّب ذلك وضع اليد بوضع "أعتى الخصوم".
هكذا، أظهرت التحالفات قوى سياسية تخوض السباق على لائحة واحدة مع أحزاب لطالسلالما خاصمتها، حتى إنّ هناك من وضع يده بيد من كان يعتبره "رمز الفساد" الذي يريد محاربته، من دون أيّ تبرير منطقي، بل إنّ أحد المرشحين تحالف مع حزبٍ اعتبر قبل أيام فقط أنّ مسؤوليه "أعداء للحقيقة والكرامة والسيادة والشرف والاستقلال"!
وإذا كانت "بدعة" التمييز بين ما هو "تحالف انتخابي" وما هو "تحالف سياسي" تُعتمَد كتبرير من جانب القوى السياسية، فإنّ علامات استفهام بالجملة تُطرَح، فهل يبرّر ذلك فعلاً التحالفات الغريبة والهجينة التي تخوض السباق؟ وأليس الانضواء في لوائح بمثابة توافق على برنامج انتخابي كامل ومتكامل، "جوهر" النظام النسبي، الذي تفرغه هذه الممارسات من مضمونه؟
باختصار، تستند القوى السياسية إلى المقولة الشهيرة "الغاية تبرّر الوسيلة"، لتُسقِطها على الواقع الانتخابي الذي تحكمه "الضرورة"، في ظلّ قانون انتخابي "هجين"، تفرض تعقيداته "تكتيكات واستراتيجيات" أبعد ما تكون عن المبادئ، ما يدفع بعض القوى إلى التحالف مثلاً في دوائر معيّنة، والتنافس بشراسة في غيرها، حتى إنّ حزبًا واحدًا يصبح حليفًا لأحدهم في دائرة محدّدة، و"فاسدًا يُعتبَر انتخابه بمثابة خيانة عظمى" في دائرة أخرى، في استعارة لا مبالغة فيها.
تكثر الأمثلة والنماذج على هذه "الممارسة"، فـ"التيار الوطني الحر" مثلاً، الذي لا يناقش أحد خلافه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يصفه الجمهور "العونيّ" بـ"البلطجي والفاسد"، بل يعتبره رمزًا لـ"المنظومة" التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، لم يجد ضيرًا من الانضمام إلى لوائح مشتركة معه في بعض الدوائر، لكونه "حليف الحليف" ربما، أو لكون "التحالف الانتخابي شيء والتحالف السياسي شيء آخر"، كما يكرّر بعض مسؤوليه جهارًا.
وعلى الضفة المقابلة، بدا انضمام المرشح الإسلامي علي الشيخ عمار إلى لائحة "التيار الوطني الحر" في دائرة صيدا-جزين أكثر من "نافر"، فالرجل كان قد كتب تغريدة في 15 آذار، أي أنّ جبرها لم يجفّ بعد، يهاجم فيه "حليفه"، كما لو كان سبب كلّ المشاكل والمصائب، ليتحالف معه في النهاية، ربما لأنّه كما "التيار" لم يجدا بديلاً، قبل أن يهرب من "البلبلة" بتصنيف نفسه "مرشحًا مستقلاً ضمن لائحة"، بل يعتبر الاستعانة بالخصوم كجسر عبور "أمرًا مستحسنًا"!.
وما هو "مستحسَن" في قاموس الشيخ عمار، على غرابته وابتعاده عن كلّ أشكال "المبدئية" في العمل السياسي، كان أحد أسباب "التشتّت" الذي رُصِد في صفوف المجتمع المدني، حيث انقسم على نفسه أيضًا للأسباب إياها، إضافة إلى رغبة الجميع بالترشّح، إذ تمسّك معسكر رئيسي فيه بضرورة عدم التحالف مع أيّ من القوى التي تعاقبت على السلطة، فيما رأى آخر أنّ "البراغماتية والواقعية" تفترض خلاف ذلك، إذا كان الهدف فعلاً الدخول إلى الندوة البرلمانية.
هكذا، تتّسع النماذج لتشمل مرشحين من المجتمع المدني في لوائح محسوبة على قوى من السلطة، ولو أنّ بعضها "تسلّق" كما يقال حراك 17 تشرين الأول، بعد أن كان جزءًا من الحكومات المتعاقبة، كما تشمل أيضًا أحزابًا من السلطة تتحالف في دوائر وتتخاصم في أخرى، كما هو الحال مثلاً مع "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية"، أو حتى مع "القوات" ومن يمكن تصنيفها بـ"أيتام" تيار "المستقبل" من "المتمرّدين" على قرار رئيسه سعد الحريري.
كلّ هذه التحالفات تجد القوى السياسية تبريرًا لها في متن القانون الانتخابي، فهو يمنع ترشح "المستقلين"، ويفرض الانضواء في "لوائح"، ما يتطلب "تكتيكات" قد تبدو "غريبة"، من بينها مثلاً "سيناريو" طُرح في مرحلة ما عن ترشيح أحد الأحزاب لمحازبين في لائحتين متنافستين، ليضمن فوزهما معًا، خشية عدم القدرة على تأمين حاصلَين بمفرده وعلى لائحة واحدة، وهو "سيناريو" يبدو أقرب إلى "المهزلة"، لكنّه كان أكثر من "جدّي" كما يقول العارفون.
وإذا كانت السلطة "تشرّع" لنفسها هذه التحالفات الهجينة وغير المنطقية، فإنّ الخبراء الانتخابيّين والعارفين يؤكدون أنّ التلطّي خلف القانون، وإن كان أبعد ما يكون عن العدالة في التمثيل، بفعل الحاصل الانتخابي العالي نسبيًا، والأصوات التفضيلية التي تفرض المنافسة داخل اللائحة الواحدة، لا يمكن أن يبرّر مثل هذه الممارسات، خصوصًا أنّ الانضواء في لوائح هو "جوهر" النظام النسبي الذي يقول الجميع إنّه يتمسّك به، لكنّهم يفرغونه من مضمونه.
يشرح هؤلاء أنّ اللوائح والائتلافات يجب أن تعبّر عن توافق مجموعة من الأفراد والقوى السياسية على برنامج عمل موحّد، ولذلك فإنّ النظام النسبي من خلال التمسّك بها يسعى لتحويل الانتخابات من "الأشخاص إلى البرامج"، ما يبعد المنافسة عن "الشخصانية"، وهو ما يحتاج إليه لبنان تحديدًا، لكنّ الواقع أنّ هناك من حوّل هذه الائتلافات إلى "من كلّ وادٍ عصا"، بل فتح اللوائح أمام كلّ من يقدر على زيادة الحاصل، أو دفع الأموال، بمعزل عن آرائه.
باختصار، تؤكد الممارسات التي تسبق الانتخابات أنّ هناك أزمة في المقاربة والتكتيك قبل أيّ شيء آخر، فعندما تصبح "المصلحة" هي الاعتبار الأول، ويتدافع السياسيون للدفاع عن تحالفات لا علاقة لها بالمبادئ، واعتبارها "نتيجة بديهية" للقانون الانتخابي، يصبح الأكيد أنّ "جنّة السلطة"، ولو تحوّلت إلى "جهنّم" عمليًا، لا تزال تملك من "الجاذبية"، ما يستطيع أن يطيح بكلّ "الآمال والطموحات" بتغيير في الشكل قبل المضمون!.
المصدر| النشرة
الرابط| https://tinyurl.com/4s4wnhdj