عقدة العقد في كيفية ردّ الودائع لأصحابها .. إعادة هيكلة المصارف... كيف نُحيي العظام وهي رميم؟
بعد نحو عامين ونصف العام على اندلاعها، حطت الأزمة وزرها الأكبر على كاهل المواطن. كما ان التصحيح القسري بعد اعلان الدولة التوقف عن دفع سندات اليوروبوندز وانخفاض سعر صرف الليرة وانخفاض موجودات مصرف لبنان من العملات الاجنبية انعكس ايضا على المصارف. ونتج عن ذلك فجوة في الودائع اذ بات صعبا جدا اعادة الحقوق لاصحابها في حال لم تبصر النور خطة عادلة لتوزيع الخسائر. نستطيع الاستنتاج أن المصارف، أو القسم الأكبر منها، ستستمر كـ"زومبي بنك" إلى أمد غير محدد. فهل يقبل صندوق النقد الدولي بهذا الواقع أم أن تداعيات الأزمة تخطت مرحلة التدخل الفاعل للانقاذ، وفرضت نفسها كأمر واقع.
يقال في الأمثال الشعبية الفرنسية إنه "إذا أعطيت حل المشكلة لمن صنعها تصبح لديك مشكلتان"، ولعل هذا هو "أساس المأزق الذي نعاني منه"، بحسب الخبير الاقتصادي الذي شارك في إعداد خطة التعافي الأولى الدكتور روجيه ملكي. فـ"مشكلة سوء الإدارة في القطاع العام، انسحبت على القطاع المصرفي، وأدت إلى ما نشهده اليوم من أزمات تتوالد الواحدة من رحم الأخرى". وضع لبنان يشبه بحسب ملكي "جسم المريض الذي يحتاج إلى جراح ماهر لاستئصال أحد الاعضاء الداخلية المعتلة، وهذا الجراح اسمه: السوق. استئصال العضو المصاب بالداء يترك الجسم أضعف، لكنه يضمن بقاء الروح في الجسم. وهذا ما يجب أن يحصل بالضبط في القطاع المصرفي أيضاً".
التصفية الشاملة غير واردة
يعمل في لبنان اليوم نحو 59 مصرفاً. منها 27 مصرفاً تجارياً لبنانياً، 8 منها استثمارية، 6 متخصصة، 8 تجارية تتبع مصارف أجنبية، و9 تجارية أيضا مملوكة مباشرة من مصارف في الخارج.
باستثناء المصارف المتخصصة وبعض البنوك المملوكة مباشرة من أجانب، أو التي تتبع لمصارف قوية، فان البقية تعتبر "مفلسة مع وقف التنفيذ". الحل الذي نصت عليه خطة التعافي التي أقرت بالتعاون مع "لازارد" ايام حكومة حسان دياب بتصفيتها جميعاً، وإنشاء 4 إلى 5 بنوك "نظيفة" بدلاً عنها، "لم يعد اليوم مجدياً"، من وجهة نظر ملكي. فالواقع الاقتصادي تبدّل رأساً على عقب. فانفاق الدولة على الرواتب الذي كان يشكل 40% من النفقات انخفض من حدود 8 مليارات دولار إلى أقل من 700 مليون، فيما خدمة الدين العام التي كانت تشكل 35% من النفقات متوقفة نتيجة إعلان التوقف عن السداد، والانفاق على الكهرباء الذي كان يشكل 10% من النفقات، تراجع من 2 مليار دولار إلى أقل من 200 مليون بسبب انقطاع الكهرباء الدائم. هذا الواقع الذي يعني ارتفاع المخاطر بشكل كبير نتيجة تراجع النمو وانخفاض الناتج المحلي بأكثر من النصف، ينطبق على المصارف المتوقفة عن السداد نسبياً. ولكن هذا لا يعني انتفاء الحاجة إلى الاصلاح، حيث يتوجب من وجهة نظر ملكي "معاملة المصارف المتعثرة مثلها مثل أي زبون يتعرض للافلاس.
4 خطوات للمعالجة
وبالتالي فان المفروض بالدرجة الأولى الشفافية، وإعلان الحقيقة لتبيان حجم المشكلة الفعلي، واتاحة المجال ثانية أمام المعالجة التي تتم بـ 4 خطوات رئيسية، وهي:
1 - مساهمة أصحاب المصارف بضخ رساميل جديدة في مؤسساتهم.
2 - جذب رساميل طازجة من الداخل أو الخارج.
3 - تحويل ودائع الى مساهمات في رساميل المصارف Bail In
4 - تدخل من الدولة بحسب الحاجة والامكانيات من خلال ما يطرح من طرق للاستفادة من الأملاك العمومية لاطفاء جزء من ديونها للبنوك.
هذه الخطوات قد تغير تركيبة وملكية القطاع المصرفي اللبناني في حال لم يعد أصحابها يملكون الثقل الاكبر. لكنه في المقابل يسمح بعودة القطاع إلى سكة العمل المصرفي السليم. وهنا بامكان المصارف القادرة شراء المتعثرة وبالتالي تصغير حجم القطاع وزيادة فعاليته.
ما يقبل به صندوق النقد الدولي
هل يعتبر مثل هذا الحل مقبولاً من صندوق النقد الدولي؟
يجيب مدير عام بنك لبنان والمهجر أمين عواد بان "الصندوق لم يعط أي توجيهات للمصارف خلال اللقاءين اللذين اجتمعنا فيهما معه عن بعد. بل على العكس، أكد أهمية ودور القطاع المصرفي في بناء الاقتصاد وإعادة الثقة به، ولم يأت على ذكر التصفية الشاملة كما ورد في خطة التعافي الأولى. إنما الانطلاق إلى المعالجة بإقرار خطة الحكومة التي من شأنها التأكيد على حجم الخسائر وإيجاد الطريقة الملائمة لكيفية توزيعها. والمشكلة بحسب عواد أنه كلما تأخرنا كلما زادت الخسائر وتوسعت الفجوة المقدرة بـ 69 مليار دولار. وهذا ما اكده نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الذي قال إن الفجوة قد تكون تجاوزت 73 مليار دولار من دون أن يستبعد حتى زيادتها أكثر في الفترة القادمة، إن بقيت الأمور على ما هي عليه.
السؤال الجوهري الذي يتحدد على أساسه مستقبل القطاع المصرفي يتعلق بمن سيتحمل الخسارة. الدولة مفلسة وتتهرب من تحمل المسؤولية، بحسب عواد. و"ذلك على الرغم من كونها من تسبب بالانهيار نتيجة الهدر والفساد، ليس أقله أهمية الدين المترتب على الكهرباء بمبلغ يفوق 50 مليار دولار. ومصرف لبنان يمتنع عن إرجاع مستحقات البنوك الموظفة لديه بحجة أن الأموال أُقرضت للدولة والأخيرة ممتنعة عن السداد".
3 شروط لاعادة هيكلة البنوك
إعادة هيكلة القطاع وتحديد حجمه وعدد المصارف التي يمكن أن تبقى رهن 3 شروط من وجهة نظر عواد، وهي:
أ- تحمل مصرف لبنان مسؤوليته بأصوله المقدرة بـ3 مليارات دولار وبيع أو تخصيص الشركات التي تتبع له مثل الكازينو والميدل إيست.
ب- تحمل الدولة مسؤوليتها من خلال حسن استغلال مرافقها الحالية عبر خصخصة إداراتها أو تلزيمها للقطاع الخاص، والمستقبلية كانتاج النفط والغاز وتخصيص نسبة تترواح بين 10 و20% من عوائدها لتسديد ديونها وبالتالي إرجاع حقوق المودعين. مع الإشارة إلى أن تخصيص 10% فقط من عوائد الغاز سنوياً يضمن إرجاع مليار دولار سنوياً.
ج- تحمل المصارف مسؤوليتها من خلال حمل رؤوس أموالها المقدرة بـ 17 مليار دولار، والتأسيس من جديد. والمصارف غير القادرة على الرسملة تصفى.
3 مقاربات تصحيحية
للفوائد والودائعلكن هذه الإجراءات لا يمكن أن تتم فرادى برأي عواد بل يجب أن تأتي من ضمن حزمة إصلاح واحدة ومن بعد قيام الدولة بالخطوات التالية:
أولاً: تحويل الودائع المحولة إلى الدولار بعد 19 تشرين الأول 2019 إلى عملاتها الأم. لأن مصرف لبنان (باع عالمكشوف)، بمعنى أنه كان يعلم أنه لا يمتلك الدولارات لتغطيتها. وباستثناء البعض، فاني اقترح تسديدها على أساس 1500 ليرة، ومقاضاة من سمح بالتحويل أساساً..
ثانياً: استرداد الفوائد التي دفعت في الاعوام الثلاثة أو الاربعة المنصرمة. وهي فوائد باهظة وصلت نسبتها إلى 13%، وللعلم فهي كانت من حصة كبار المودعين.
ثالثاً: تحويل ودائع الى مساهمات في المصارف.
من المفترض بعد هذه الاقتطاعات أن تتقلص الفجوة إلى 28 مليار دولار"، برأي عواد.
وفي هذه المرحلة تسدد الودائع لغاية 150 ألف دولار بالدولار النقدي لمدة 5 سنوات. وتسدد الشريحة بين 150 ألفاً و500 ألف مناصفة بين الدولار والليرة على سعر صيرفة والمبالغ التي تفوق 500 يقتطع منها للمساهمة برساميل المصارف اي bail in وأخيراً مشاركة المودعين برساميل المصارف.
"هذا الطرح مقبول من صندوق النقد الدولي، لانه لا يضخم الكتلة النقدية بالليرة (بفعل ليلرة الودائع) ولا يخلق المزيد من المشاكل"، برأي عواد. وما يتبادر إلى سمعنا من مشاورات الحكومة مع صندوق النقد نستطيع أن نستخلص أن هناك قبولا لهذا الطرح ولا سيما في ما يتعلق بارجاع الودائع التي تقل عن 150 ألف دولار بفترة لا تتجاوز 5 سنوات".
لن تعود الأموال المهربة من قبل نافذين
الآمال المبنية منذ صدور التعميم 154 على استرداد بين 15 و30% من الأموال المهربة لا سيما من قبل نافذين بعد العام 2017، بددها إشتراك الكل بالتهريب أو «تغطيتهم لبعضهم البعض»، بحسب أمين عواد. وعلى الرغم من ضغط الخزانة الأميركية على كشف المبالغ، والمتورطين من السياسيين في تهريب الأموال المشكوك بنظافتها، والذي ترجم كتاباً من هيئة التحقيق الخاصة إلى المصارف بضرورة تسليم كل المعلومات في غضون 15 يوما ابتداء من تاريخ 11 آذار الحالي، فان عواد يشك بالنتيجة. فالاموال التي أخرجت إما صرفت أو احتجزت في الخارج (روسيا مثلاً) ومن يحتفظ بها لن يسلمها، بل «يضع رجله في الطائرة» ويغادر على وجه السرعة. مع العلم أن التحاويل التي جرت بعد 17 تشرين الأول 2019 تعتبر جريمة برأي عواد، و»على أصحابها ارجاعها بنسبة 100%».
المصدر| خالد ابو شقرا - نداء الوطن
الرابط| https://tinyurl.com/459jyr3a