مصطفى حجازي: "ظلال الرحمة: قلوب تحتضن الأيتام في رحاب الإسلام"
في ثنايا الإسلام، تتجلى معاني الرحمة والإنسانية بأبهى صورها، وتبرز العناية بالأيتام كأحد أرقى مظاهر التعاطف والمودة التي حث عليها الدين الحنيف. الأيتام في الإسلام ليسوا مجرد فئة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام، بل هم قضية تكشف مدى عمق القيم والأخلاق التي ينبغي أن تسود المجتمع المسلم.
القرآن الكريم، ذلك النور المبين، لم يترك موضوع الأيتام للأهواء البشرية أو التفسيرات المتباينة، بل جاء بنصوص صريحة تحث على الإحسان إليهم وحمايتهم من أي اعتداء قد يلحق بهم. "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ"، هذه الآية ليست مجرد توجيه، بل هي دعوة لجعل إصلاح حال اليتيم أولوية، تقديم مصلحته على كل اعتبار.
وإن كانت السيرة النبوية المطهرة خير دليل على تطبيق هذه التعاليم، فإن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تعد مصدر إلهام لا ينضب في كيفية التعامل مع الأيتام. يتيمًا كان، فعرف ألم الفقد وثقل الغياب، لذا كان عطفه ورحمته باليتامى لا حدود لهما. قوله "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، ينبئ عن عظم المكانة التي ينالها من يعتني باليتيم، يرعاه ويحتضنه في دنيا الفناء ليكون رفيقه في جنان الخلود.
لكن، الأمر لا يقف عند حد الرعاية المادية وتوفير الاحتياجات الأساسية فحسب، بل يمتد ليشمل الرعاية النفسية والمعنوية. الأيتام في رحاب الإسلام يجب أن يشعروا بالأمان والانتماء، أن يُحاطوا بمودة وحنان يخفف عنهم وطأة اليتم وقسوة الحرمان. إنهم بحاجة إلى أن يُعاملوا بكل عطف ولطف، لينموا ويترعرعوا في بيئة صالحة تمكنهم من تحقيق أحلامهم وأهدافهم دون أن يشعروا بأي نقص أو افتقار.
المجتمع المسلم مطالب بتجسيد هذه القيم في أبهى صورها، فكل فرد فيه يحمل جزءًا من مسؤولية الأيتام، من خلال الدعم والمساندة والمشاركة في توفير حياة كريمة لهم. إنها دعوة لبناء مجتمع تسوده المحبة والإخاء، مجتمع يكون فيه الضعفاء والمحرومون في صدارة الاهتمام.
فلنكن جميعًا سندًا وعونًا للأيتام، نحتضنهم بقلوبنا قبل أيادينا، نمدهم بالحب والعطف والرعاية، ففي ذلك رضوان الله وبركة في الحياة، وخير زاد للآخرة. إن رعاية اليتيم والعناية به ليست مجرد واجب ديني فحسب، بل هي تجسيد لأسمى معاني الإنسانية والأخلاق التي يدعو إليها الإسلام.
بقلم | د. مصطفى عبد الرحمن حجازي