صيدا سيتي

كتب خالد الغربي: 

في غمرة مآسينا الوطنية والقومية، يغيب عنا الأخ العزيز خليل الخليل "أبو ناصر" المناضل الناصري الكبير الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالنضال والجهاد. غادرنا، الوجه الحبيب، الرجل الصادق، الرصين، العف الكف واللسان، الهادئ، الذي لا يعرف الخبث، المتصالح مع الذات والآخرين في زمن "صدأ العقول".

غادرنا "أبو ناصر" برصيد نضالي وطني كبير، وبغنى النفس والفكر وبثروة من القيم والمثل والعطاء.

أوجعنا هذا الفراق مع إن الموت حق ومآل البشر، حزنُنا مزدوج، حزن على غياب خليل الإنسان الدمث الأخلاق، وأسى على غياب خليل السياسي والمناضل المثال، والمكافح والحضور القوي والحركة الديناميكية. موته سيترك فراغا فهو كان قرشنا الأبيض من زمن نضالي جميل ادخرناه لإيامنا الحالكة.

بغياب "ابو ناصر" تخسر القضية الوطنية علما من اعلام حركة التحرر العربي، ورجلا تمتد صداقاته المتميزة مع القوى الثورية من مصر الى سوريا وليبيا فالعراق واليمن، وتونس، الجزائر وفلسطين.

كان بوسع هذا الناصري المثخن بجراح أمته وعذابات شعبه، أن يكون من اثرياء الحرب، فيما لو أمتهن "السمسرة" الثورية أو كان "تاجر قضية" أو "تاجر موقف" كما فعل كثيرون من "أصحاب" الأحزاب ومسؤوليها، لكن رجل القيم الثابت على الموقف والفكر آثر زيادة رأسماله من العفة الثورية والنزاهة والاستقامة على ان يأكل مال سحت أو مال الشهداء، بقي نزيها شريفا، لم تغره حقائب مالية ليبية كان وسيطا في تدفقها لصالح قوى وأحزاب وشخصيات لبنانية غرغرت حناجرها بشعارات "عروبة لبنان وتطوره الديمقراطي"، هم اغتنوا أما هو فعاش فقيرا ومات فقيرا.

يكفيك فخرا يا طيب الله ثراك إنك بقيت عصيا على التلوث، لم تهادن، لم تتهاون، بقيت وفيا للمعلم جمال عبد الناصر حين سن كثيرون من راكبي موجة الناصرية خناجرهم لطعنه وتقديس امراء النفط، وفيا لمبادئك لعروبتك، صامدا بوجه اغراءات المال الرخيص عندما انتعشت اسواق شراء الذمم والضمائر والنفوس ومواسم الإفساد، ويوم انتشر مرض الطائفية والمذهبية، وبرر عروبيون ويساريون "انقلابهم وانتهازيتهم" وانتقالهم إلى تأييد المشروع الرأسمالي المتوحش المتأمرك المتمذهب، بممارستهم "البرغماتية" ومواكبة التحولات والمتغيرات والعولمة، بقيت وتنظيمك الشعبي الناصري ومعكم ثلة من الوطنيين التقدميين الشرفاء ومن ابناء شعبنا في قلب ميدان المواجهة تتصدون لطغمة المال والفساد والنهب وتحويل البلد لشركة خاصة، واذكر يوم فاتحك قائدنا ورئيسنا وحبيبنا الراحل الكبير مصطفى معروف سعد بقراره اختيارك نائباً لرئيس التنظيم للشؤون السياسية (اي نائباً له) قلت "الحمل ثقيل والمهمة صعبة"، لكنك، قبلت التحدي "لأن ثقة الريس ورغبته لا ترد وملزم ان أكون على قدر ثقته والمسؤولية"، وزدت "سنواجه معه وسننتصر...".

قاوم أبو ناصر احتلال بيروت ولوحق وطورد من قبل النظام الذي نكل بالوطنيين والعروبيين واصحاب الرأي الحر وألقى بالمئات منهم في اقبية معتقلاته، صمدت يا أبا ناصر مع إخوانك الصامدين يوم عز الصمود كتبت، حرضت، خطبت، وبشرت بزمن جديد سيولد وان المقاومة ستحرر الأرض، قاتلت... وسقط اتفاق 17 أيار.

خليل الخليل رجل الثوابت والخيارات الوطنية والعروبية، آمن بالوحدة العربية بوصفها خلاص الأمة من حالة الضياع والوهن والشرذمة وهي قوة العرب، وقد هاله ما تتعرض له من مؤامرات عنونت بثورات الربيع العربي، بينما هو لم يؤمن الا بالثورة العربية الأم ثورة 23 يوليو، آمن بالقضية الفلسطينية وقاتل بالسلاح مشاريع تصفيتها واستهدافها، كان متيقنا ان فلسطين لن تتحرر إلا ببنادق وسواعد المقاومين. 

في وطن الفتن والامتيازات والاحتكارات واجه راحلنا النظام الطائفي البغيض وانحاز الى الطبقات الشعبية الكادحة، حالما ببناء وطن العدالة والمساواة، وقد التزم  خط المقاومة وهي بالنسبة اليه ليست خيارا فقط، انما حاجة وطنية وضرورة قومية. 

في العقود الأخيرة، أرقنا (نحن المتهمين زورا بالخشبية وبالجمود الفكري) السؤال التالي: أين نحن من ناصرية عبد الناصر؟ أجزم  ان "أبي  ناصر" استحق بجدارة في أن يكون واحدا من ناصريي عبد الناصر. 

وداعا أبو ناصر، تغادرنا بصمت في زمن القحط الفكري والتصحر الوطني والبراري العربية القاحلة.

وإلى اللقاء.