الشهاب: بقدر الكد تكتسب الألقاب والصفات والمعالي!
لا لوم على رجل يتمنى الأماني ويسعى لها، ويجد في سيره إليها، ويتوسل بما يقدر عليه من الوسائل، بل ليس رجلاً من لا أمل له، ولا سعي، ولا بغيّة، ولا عمل، ومن الرجولة والشرف أن يكون للقلب شاغل يأمر بالمحاولة والكدح والتجلد للمتاعب في سبيل المطمح والمطمع، أما أن يمتّد الأمل إلى منزلة لا تعني بالوصول إليها، وتكتفي بزعم أنك أدركتها، فليس هذا من نعوت الرجال الذين يُكبرهم الناس ويجلونهم ويرفعون أقدارهم، وعجيب أن يكثر في هذا البلد أولئك الذين يدّعون ما ليس لهم من الأقدار وينتحلون المقامات التي لا تدركها قوتّهم ولا قوة لهم عليها؟.
في هذا البلد كثيرون يزعمون ويدعون الألقاب العلمية، ويجاملهم أصحابهم واخوانهم فيدعونهم بما اختاروا لأنفسهم من الألقاب، فهذا أستاذ، وهذا دكتور، وهذا مهندس، وهذا المعالي، وهذا فلكي.. وكلهم في الجهل سواسية...؟ ومن البلية أن يدعي علم الفلك دجالون يحتالون على السخفاء بما يسمونه التنجيم وما أبعد هذا وأقصاه عن الفلكيين أصحاب هذا العلم المهين؟! الذين جعلوا أسمه عنواناً للجهل والسماجة والتغرير، حتى لقد صار علماء الفلك يكادون يتبرأون من عملهم خجلاً من أن يظنهم الناس من أولئك النصابين الذين ينصبون أحابيل الخديعة للنسوان وأمثال النسوان من الأغبياء؟..
والعياذ بالله من الأستذة التي صارت نداء للمغرورين يتقارضونها ويتقاذفون بها فمن قرأ كتاباً أو كتابين وعرف أسماء ثلاثة أو أربعة من المؤلفين فهو عالم و.. أستاذ تقول له يا أستاذ كما يقول الحوذّي لإبن السبيل (يا معلم) وقد يتوقح بعضهم فيأبى إلاّ أن ينادي بيا دكتور، ويشيع أنه دكتور في الفلسفة وهو أميّ؟ أو دكتور في الأعمال والأقتصاد والمال.. ولو حاسبته على نصف دولار لحار ولم يدر كيف يقول، وما أكثر دكاترة طب الأسنان وما هم بغير متطببين كالحلاقين؟ ولو وقف الحدَّ عند هؤلاء في مجالسهم ومجامعهم لهان.
ولكن البليّة أن الدعوى –يدوي- لها صدى يتردد في نواحي البلد بما تنشره الصحف ترويجاً لتلك السخافة المنكرة، فما من مغرور رقيع بإنتحال الأدب أو السياسة إلا تدعوه الصحف التي تنشر هذيانه بالأستاذ (فلان) أو الدكتور (فلان) فالأساتذة والدكاترة اليوم في البلد أكثر من باعة الفول؟ وليس أشد من هذا البلاء العظيم؟ أليس قول (أستاذ) في هذه الحال كقول (معلم) بكسر الميم والدكتور بمعنى الغلظ؟
ولقد رأيت في الطريق رجلاً يبيع العطور المعروفة بالمنزول ويقولون له يا دكتور، وأعرف رجلاً يرمي نفسه على كتاب الصحف يحاول إرغامهم على أن ينشروا ما يكتب من السفاسف إذا لم تقل له يا أستاذ إمتعض وظهر الألم الذي في قلبه على وجهه، فكيف تشتهي النفس الدكترة أو الأستاذية وهما للجهال والحمقى من الناس ولا فرق بين أن تدعى يا دكتور (فلان) أو الأستاذ (فلان) بين أن يقال يا سيد فلان؟
أليس إدّعاء العلم كإدعاء الوجاهة اليوم في اللقب (بالبكوية) في مشارب (المقاهي) وغيرها.
نعم لمن تقول؟ ولمن تعيد؟ و لا نجاة لنا من شر هؤلاء المدّعين الألقاب؟ ولا خلاص لنا من جهلهم وفتونهم بإنتهالهم ما ليس لهم من تلك الألقاب؟
(ولا مؤاخذة من شي تاني)؟؟
المصدر | بقلم المربي الأستاذ منح شهاب