إحتجاج صيدا خجول ولم يرقَ إلى غضب حقيقي من استفحال الأزمة
وسط الطريق المقفلة في صيدا، يقف محمد الحسن امام النيران الملتهبة من الاطارات المشتعلة، ينتظر ان يذوب البلاستيك منها وتخمد، ليجمع على الفور قضبانها الحديدية الساخنة بعصا غليظة ويبيعها لاصحاب محال الخردة ببضعة آلاف من الليرات اللبنانية ليؤمن الخبز والطعام لعائلته، بعدما اصبح عاطلاً عن العمل منذ بدء الازمة المعيشية والاقتصادية وتفشي "كورونا".
يقول محمد لـ"نداء الوطن": "لا أترك احتجاجاً في صيدا الا وأشارك فيه، من جهة أعبر عن غضبي من سوء الاوضاع المعيشية وعن وجعي من الجوع نتيجة الفقر المدقع، ومن جهة أخرى انتظر ذوبان الدواليب من اجل بيع حديدها، كل دولاب فيه نحو 2 كيلو، وابيعهما بسعر 12 الف ليرة لبنانية لشراء الخبز والطعام لعائلتي المؤلفة من خمسة اشخاص".
يصب محمد جام غضبه على الواقع المأسوي وتوالي الازمات الخانقة وهو يرفع ما تبقى من هيكل الدولاب المشتعل لفصل الحديد منه بعصا خشبية عريضة، ويقول: "هل سمعتم عن مثل هذا العمل على وجه الكرة الارضية؟ في لبنان كل شيء أصبح ممكناً، نزلت لأعبر عن غضبي ووجعي ووجدت في اشعال الدواليب مصدر رزق موقت، ولكن للاسف تراجعت التحركات الشعبية الاحتجاجية كثيراً ومعها احراق الدواليب لانها مضرة بالبيئة". ويضيف: "قبل عامين كنت أعمل في شركة باطون، ولكن استفحال الازمة الاقتصادية وارتفاع الدولار وتفشي جائحة "كورونا" والاقفال العام الذي رافقه، دفعتها الى تخفيض رواتبنا بدلاً من زيادتها نتيجة قلة الطلب، قبل ان يتم تسريحنا بالكامل واصبحت عاطلاً عن العمل برتبة محتاج لكنني لم استسلم، ابحث عن عمل كيفما كان لاطعام عائلتي، لقد تركونا لمصيرنا المجهول ولن اسمح لهم بتجويع اولادي، هم اغلى شيء في حياتي".
ومحمد واحد من عشرات الناشطين في حراك صيدا الذين نزلوا الى ساحة الثورة عند تقاطع ايليا للاحتجاج على تردي الاوضاع المعيشية في يوم غضب، تزامناً مع تحركات احتجاجية في عدد من المناطق اللبنانية وخاصة العاصمة بيروت وطرابلس والبقاع، اشعلوا الاطارات واقفلوا الطريق لبعض الوقت، قبل ان ينتقلوا الى شارع حسام الدين الحريري ويقفلوه باغصان الاشجار وحاويات النفايات قبالة شركة كهرباء لبنان، احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي، ويصلوا الى ساحة النجمة ويقطعوا شارع رياض الصلح بأجسادهم الى جانب الاطارات المشتعلة.
وتؤكد اوساط صيداوية لـ"نداء الوطن" ان احتجاج صيدا "كان خجولاً ولم يوازِ حجم الغضب الحقيقي داخل المنازل والمدارس والمحال والاسواق التجارية وفي الصالونات العائلية والاجتماعية، ولا الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات "الواتساب"، بدا عفوياً من دون تنسيق مسبق بين كافة مجموعات الحراك المنظمة او القريبة من القوى السياسية، لذلك لم يرق الى مستوى الهبة الشعبية او العصيان المدني، وتحول رسالة تحذير عن فورة غضب موقتة مؤداها ان الناس بدأت تفقد اعصابها ولم تعد تبالي بأي شيء امام تأمين قوت يومها بكرامة".
ويقول الناشط محمد نجم لـ"نداء الوطن": "الاحتجاج كان افضل من السابق لجهة العدد وطريقة التحرك واقفال الطرقات ورفع صرخة الوجع، صحيح لم يكن على مستوى آمالنا، ولكنه مؤشر واضح على الغليان الذي سيوصل الى الانفجار الشعبي العفوي، الناس ما زالت تخاف النزول الى الشارع خشية اي بلبلة. رسالتنا هي دعوة الناس وخاصة الفقراء والمتضررين من الازمات المعيشية، اكسروا حاجز الخوف كما فعلتم في بداية انتفاضة تشرين وطالبوا بحقكم في حياة حرة كريمة، والا فإن الاوضاع ستزداد سوءاً ولن يشعر احد بمعاناتكم".
ويوضح الناشط في مجموعة "شباب المساجد" محيي الدين عنتر أن "جمهورنا في صيدا وبيروت وطرابلس وعكار والبقاع لم ينزل للشارع في 17 تشرين للمطالبة بدولة علمانية، ولا للانقضاض على ثوابت دينه وقيمه؛ وإنما نزلنا لمواجهة منظومةٍ فاسدةٍ أكلتْ أخضر البلد ويابسه وأفلست الخزينة ونهبت المال العام، نحن مع إلغاء الطائفية السياسية وطائفية الإدارة ومع بناء دولة العدالة والمواطنة التي تحفظ وتحافظ على خصوصيات الطوائف؛ ولكننا لسنا مع العلمنة ولا يمكن القبول بها؛ بل هي بضاعةٌ غربيةٌ غريبةٌ؛ لا تَصْلحُ ولا تُصْلِحُ، ولا مكان لها في مجتمعنا. عودوا إلى ما تفاهمنا عليه في الأيام الأولى للحراك وتعالوا إلى كلمة سواء".
المصدر| محمد دهشة - نداء الوطن | https://www.nidaalwatan.com/article/62870