صيدا سيتي

الهوية الدينية الرقمية: بين الواقع والفضاء الافتراضي

إعداد: إبراهيم الخطيب - الثلاثاء 23 أيلول 2025 - [ عدد المشاهدة: 186 ]

مع تطور الوسائط الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، أصبح التدين يمتد من ممارسة الشعائر في المساجد أو البيوت إلى فضاء أوسع يُعرف اليوم بالفضاء الرقمي. هنا تتشكل ما يُسمى الهوية الدينية الرقمية، وهي الطريقة التي يعيد بها الفرد صياغة صورته المتدينة ويعرضها أمام الآخرين، مستخدماً أدوات تقنية ولغوية ورمزية تمنحه حضوراً جديداً يختلف أحياناً عن حضوره الواقعي.

أولاً: إعادة صياغة الهوية عبر الفضاء الرقمي

في البيئة الرقمية، يبرز التدين في الطريقة التي يختار بها الفرد أن يُعرّف نفسه. قد يضع في صورته الشخصية رمزاً دينياً مثل الكعبة، الهلال، أو آية قرآنية. وقد يستخدم في سيرته الذاتية على تويتر أو فيسبوك عبارات مثل: “عبد لله”، أو “خادم القرآن”. كما قد يختار أن يكتب منشوراته بلغة تحمل طابعاً دينياً مميزاً، مليئاً بالاقتباسات الشرعية أو الأدعية. هذه الخيارات تمثل عملية بناء هوية مقصودة، حيث يسعى الفرد لأن يُعرّف نفسه أمام الآخرين من خلال الرموز لا الأفعال.

ثانياً: بناء صورة الذات المتدينة

أدوات الهوية الرقمية متعددة:

الحسابات الشخصية: اختيار اسم مستعار مثل “محب السنة” أو “نور الإيمان” يعكس رسالة واضحة عن هوية صاحب الحساب.

الرموز البصرية: استخدام صور للمساجد، المصحف، أو الزخارف الإسلامية في خلفيات الحسابات يعطي الانطباع بأن التدين جزء من شخصية المستخدم.

اللغة والوسوم: الاستعمال المكثف لكلمات مثل #الحمد_لله، #دعاء، #رمضان، يجعل الخطاب الديني حاضراً باستمرار في الفضاء الرقمي.

ثالثاً: ظاهرة "المتدين الرقمي"

المتدين الرقمي هو الشخص الذي يُعرّف نفسه إيمانيّاً بما ينشره أكثر مما يعيشه واقعياً. فقد يشارك يومياً آيات وأحاديث، أو يبث مقاطع دعوية، لكنه في حياته الواقعية لا يلتزم بالمستوى نفسه من الممارسة. هذه الظاهرة تكشف عن نوع جديد من التدين قائم على التمثيل الرمزي أكثر من كونه ممارسة فعلية.

- شخص يشارك يومياً أدعية الفجر على فيسبوك، ويظهر متفاعلاً في مجموعات دينية، لكنه في حياته الواقعية قد يتأخر عن الصلاة. هنا يصبح التدين الرقمي أداة لإظهار صورة مرغوبة أكثر من كونه انعكاساً للسلوك الحقيقي.

- طالبة جامعية في أوروبا تستخدم إنستغرام لتوثيق رحلتها الرمضانية: تنشر صور الإفطار، وتشارك يومياتها مع متابعيها. رغم أنها بعيدة عن مجتمعها الديني التقليدي، إلا أن الفضاء الرقمي يوفر لها هوية إيمانية بديلة تعوض الغياب الواقعي للجماعة.

- شاب يوظف تيك توك لنشر مقاطع قصيرة يشرح فيها أحاديث نبوية بأسلوب بسيط. بالنسبة له، التدين الرقمي وسيلة دعوية فعالة تصل إلى جمهور واسع لا يمكن أن يجده في محيطه المحلي.

رابعاً: التحديات والفرص

التحديات: قد يؤدي التركيز على المظهر الرقمي إلى ظاهرة "التدين الاستعراضي"، حيث تصبح الغاية جمع الإعجابات والمتابعين بدل تعزيز الإيمان الحقيقي. كما قد تُضعف الفجوة بين التدين الرقمي والتدين الواقعي من مصداقية الخطاب الديني.

الفرص: في المقابل، يتيح الفضاء الرقمي للأفراد فرصة للتعلم، التعبير، والتواصل مع مجتمعات دينية جديدة. بل يمكن أن يصبح التدين الرقمي مدخلاً لرحلة روحية أعمق إذا كان محفوفاً بالصدق والنية الصالحة.

الخلاصة

الهوية الدينية الرقمية هي انعكاس للواقع، وإعادة صياغة للذات عبر رموز وصور ولغة تُنتج "متديناً جديداً" يتواجد في فضاءات افتراضية. وبينما قد تحمل هذه الظاهرة مخاطر الانفصال بين الشكل والمضمون، فإنها تفتح أيضاً إمكانات كبيرة لبناء جماعات إيمانية عابرة للحدود، ولممارسة أشكال مبتكرة من الدعوة والتعبير الديني.


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير وبرمجة: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 1004984523
الموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه.
موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة