صيدا سيتي

مع القرآن - كلمة في آية (12) يَخْرُصُونَ

إعداد: إبراهيم الخطيب - السبت 12 نيسان 2025
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload

﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ سورة الأنعام، الآية 116


فيما يلي ثلاث مفردات تعبّر عن معنى "يَخْرُصُونَ" الوارد في هذه الآية الكريمة، مع بيان الفروق اللغوية الدقيقة بينها:

1. يظنّون

  • المعنى المشترك: الظنّ بمعنى التقدير غير المبني على علم.
  • الفرق: "يظنون" أعمّ من "يخرصون"، فهو يشمل الظن الصادق والكاذب، بينما "يخرصون" لا يُستعمل إلا في الظن الكاذب والقول بغير علم.
  • السياق في الآية: يدل على اتباعهم الظنون الواهية لا الحقائق، فـ"يخرصون" هنا تُشدّد على كذبهم أو جهلهم.

2. يختلقون

  • المعنى المشترك: الإتيان بكلام غير حقيقي.
  • الفرق: "يختلقون" تركز على اختراع الباطل عن عمد، بينما "يخرصون" تشمل التخرّص عن جهل أو عن قصد، فهي أوسع.
  • السياق في الآية: تُفيد أن أقوالهم في العقيدة تقديرات كاذبة لا تستند إلى وحي ولا علم، كمن يختلق كلامًا ليملأ فراغ الجهل.

3. يتوهمون

  • المعنى المشترك: اعتبار ما ليس بحقيقة كأنه حقيقة.
  • الفرق: "يتوهمون" تدل على خلل في الإدراك العقلي، بينما "يخرصون" فيها عنصر النطق والتخمين اللفظي، وغالبًا ما تكون ذات طابع جدلي أو ادعائي.
  • السياق في الآية: يُشير إلى أن أقوالهم في الدين ما هي إلا أوهام يتلفظون بها دون تثبّت.

بهذه المفردات الثلاث: يظنّون، يختلقون، يتوهمون، نُحيط ببعض أبعاد لفظ "يخرصون" الذي يجمع في طيّاته الكذب والتخمين والتجرؤ على القول بلا علم.

***   ***   *** 

الآية الكريمة: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ تكشف عن طبيعة عقلية منحرفة لطائفة من البشر في كل زمان: أولئك الذين يبنون مواقفهم وأفكارهم على الظن، ويجعلون الجهل أساسًا للقول، فيخرصون - أي يخمّنون ويتكلمون بلا علم ولا بصيرة.

1. الإعلام المضلّل والتخرّص الجماهيري

في زمننا، كثُر من يتكلمون في قضايا العقيدة، والهوية، والمصير، والسياسة، والاقتصاد، بلا علم ولا تقوى، بل بناءً على شائعات ومصالح وتقديرات سطحية.

فينتج عن ذلك خرصٌ جماعي، تقوده منصات رقمية أو أبواق إعلامية تقدّم الوهم على أنه حقيقة، وتحلّل وتحكم وتفتي دون دليل.

2. الخطاب الحداثي القائم على الظنّ والفصل عن الوحي

نجد الكثير من المفكرين والمثقفين اليوم يتحدثون عن الدين والتشريع بلغة الظن والتخرّص، ويقصون النص القرآني بحجة "الاجتهاد"، وهم في الحقيقة يتّبعون الظن، ويخرصون كما قال الله تعالى، لأنهم يتكلمون في الغيب والحقائق الكبرى بغير وحيٍ مُنزل، ولا علمٍ مُحقق.

3. الفوضى المعرفية في وسائل التواصل

في هذا العصر، أصبحت كل منصة مفتوحة للخرص والتخرص، فتجد من يفتي في الدين، ويحلّل الأزمات، ويخوض في مقاصد الشريعة، أو يهاجم رموز الأمة، بكلمة سريعة أو تغريدة خادعة، لا تستند إلى علم ولا دراية.

وهذا ينسجم تمامًا مع وصف القرآن: "إن يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون"

ومضة تربوية:

هذه الآية تنذرنا بأن اتباع الظن وقول ما لا نعلم هو أصل الضلال عن سبيل الله، فليس كل رأي يُقال يُعتد به، وليس كل من تكلم في قضية عامة يجب أن يُتبع.

ومِن حق القرآن علينا أن نُفرّق بين العلم المبني على الوحي، والخرص المبني على الجهل والهوى.

***   ***   *** 

أمثلة تطبيقية معاصرة لمظاهر "الخَرْص": 

1. تحليل سياسي بلا خبرة ولا مصادر

فلان من الناس على وسائل التواصل، يكتب: "البلد سيتفكك بعد ثلاثة أشهر بسبب اتفاق سري بين الدول الكبرى، وسيتم تقسيمه إلى أقاليم…"

هذا تخرّص محض، لأنه:

  • لا يستند إلى معلومة موثقة.
  • يبث القلق والفوضى بين الناس.
  • يَظهر صاحبه بمظهر العارف، وهو في الحقيقة يظن ويخرص.

2. ادعاءات في الطب والصحة من غير المتخصصين

يخرج شخص على يوتيوب قائلًا: "اللقاح الفلاني يسبب العقم للرجال، وهناك مؤامرة عالمية وراءه…"

هذا خرص صريح:

  • لأنه افتراء على علمٍ دقيق، وتقديم أوهام بلباس الحقيقة.
  • ويُضلّ الناس عن سبيل السلامة والرشد.

3. تفسير القرآن بغير علم

يخرج ناشط ثقافي، فيقول: "آيات الحجاب لا تُلزم المرأة به، بل كانت خاصة بنساء النبي فقط…"

هذا تخرّص ديني خطير:

  • لأنه قول على الله بغير علم.
  • وتطويع للنصوص حسب الهوى لا حسب القواعد.

4. إطلاق أحكام قيمية على الأشخاص والمجتمعات

كأن يقول أحدهم: "الجيل الحالي جيل ضائع، لا أمل فيه، ولا رجاء يُرجى منه…"

هذا خرص أخلاقي ومجتمعي:

  • لأن الإنسان لا يملك علم الغيب.
  • ولأن فيه تعميمًا ظنيًا جائرًا يفتقر إلى التبيّن والإنصاف.

5. نظريات المؤامرة الشاملة

شخص ينشر أن كل المصائب في العالم وراءها جهة واحدة (ماسونية أو غيرها) تتحكم بكل شيء.

هذا خرص سياسي وفكري:

  • لأنه يبني رؤية العالم على ظنون ومبالغات.
  • ويُسقِط عن النفس المسؤولية، ويزرع اليأس والتسليم للمجهول.

خلاصة تربوية

الخرص في عصرنا كثير، لكنه يتخفّى بثياب "الرأي الحر" أو "التحليل الجريء" أو "الوعي المضاد".
لكن القرآن يفضحه:

"إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ" أي: يتكلمون بلا علم، ويُضلّون عن سبيل الله.


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 995089621
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة