خليل المتبولي: نمثّل أنفسنا على خشبة المسرح
اليوم العالمي للمسرح
بقلم: خليل ابراهيم المتبولي
اليوم العالمي للمسرح! جاءت فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في العام 1961 أثناء المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح في مدينة ( فيينا )، وذلك باقتراح من رئيس المعهد آنذاك، حيث كلّف المركز الفنلندي التابع للمعهد في العام 1962 بتحديد يوم عالمي للمسرح، وقد حدّد يوم السابع والعشرين من آذار من كل عام.
إنّ المسرح فن من فنون الاتصال، فنراه يدخل في البرامج الأكاديمية ضمن دراسة الإتصال وفنونه بشكل عام، فإنّ الرسالة التي تنبعث من على خشبة المسرح إلى الجمهور هي العامل الأساسي، والذي يحرّك هذه العملية، لهذا نقول بأنّ فن المسرح هو المدماك الأساسي الذي نشأت عنه عملية الإتصال هذه. المسرح عملٌ تطبيقي وهو حالة إبداعية، خَلْقٌ يتجسّد بعناصر تشكّل مشهدًا يتحرّك بالجسد أحيانًا، وبالعناصر السينوغرافيّة أحيانًا أخرى، شاملًا على فكرةٍ حاضرة في الواقع.
يلعب المسرح دورًا رائدًا في حياة الشعوب، كما ويحتلّ مكانة راقية في تاريخ الشعوب وثقافة الإنسان بشكلٍ عام، وهذا أمر ساطع كنور الشمس، إنّه صورة مصغّرة ومضبوطة لعالم الإنسان، ومن هذه الصورة يتسنّى للعلماء والمفكرين أن يقولوا ما يمكن قوله عن أحوال الناس في هذا الوجود.
لقد كانت صفة المسرح في الماضي السلطة، فقد كانت السلطة الدينية تقيم الاحتفالات لتمجيد الآلهة، ثم جاء المسرح الإغريقي ليقدّم صراعًا بين الإنسان والآلهة، ثم بين الإنسان والقدر، حتى أصبح المسرحيون يستخدمونه كأداة لتأليب الناس ضد السلطة، حتى أنه اعتُبر أداة ثورية يستخدمه الثوّار لبث أفكارهم، وطرح التغيير في المجتمعات من خلال تقديم أفكار جادّة في شكل ترفيهي مبهج، وقد يختلط الممثلون مع الجمهور في اللعبة المسرحية، مما تؤدي إلى الوعي العام. ومن بعد الإغريق جاء الرومان، وتطوّر المسرح في القرون الوسطى في أوروبا وبلغ ذروته في مسرحيات شكسبير وصولًا إلى عصر النهضة، إلى أن ظهر المسرح التجريبي المعاصر، واحتلّ المسرح الأوروبي مكان الصدارة في الفنون الحديثة، وقد انتقلت فنون المسرح إلى العرب والشعوب الإسلامية إلى أن انتعش حديثًا في مصر وسوريا ولبنان وباقي البلدان العربية.
إنّ المسرح بشكل عام يهتمّ بقضايا الناس والتطوّر الثقافي والاجتماعي بعيدًا عن السياسة بالمعنى المعروف والضيّق لها، وذلك لأنّ السياسة موجودة في كل حياتنا، مثلًا حين نتحدّث في أي عمل مسرحي عن معاناة العمال وأجورهم، وانقطاع المياه والكهرباء، وأمور معيشية أخرى، فهذه سياسة، كما حين نتكلّم عن الانحراف الأخلاقي، فهذا سياسة إلخ.
إنّ المسرح يحتلّ مكانة مهمّة في المجتمع، ووجود الفن المسرحي هو ما يفسّر الكثير عن هذا العالم، فالمسرح كما قال جان فيلار هو مرآة المجتمع. لكلّ مسرح رسالة خاصّة، والتجربة الإنسانية في هذا الوجود هي حافز الكاتب المسرحي الذي يكتب نصًا للتعليق على أمور تتعلّق بحياة الإنسان، يأتي الممثل ليفعل ما يفعله البشر وهو البشري، وقد قال كبير منظري المسرح في القرن العشرين قسطنطين ستانسلافسكي بأننا نمثّل أنفسنا على خشبة المسرح.