عبد المولى الصلح في رسالة مفتوحة الى سعد الحريري: كن الربان الذي يقود السفينة إلى بر الأمان
وجه السفير السابق بالأمم المتحدة عبد المولى الصلح عبر "مستقبل ويب" رسالة مفتوحة الى الرئيس سعد الحريري بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وجاء فيها:
"في الليلة الظلماء يفتقد البدر"
وهل من ليل أظلم من الذي نعيش في لبنان منذ فقد رفيق الحريري؟! ..
دولة الرئيس سعد الحريري..
تحل الذكرى التاسعة عشرة لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري هذا العام محملة بحزن وأمل:
حزن مقيم لا تنطفىء ناره على فقد من كان للبنان في حياته صمام أمان يوم عز الأمان ، ومنارة تبث نور العلم والمعرفة وتضيء آفاق المستقبل لأجيال وأجيال من اللبنانيين ، ويداً تبلسم جراحهم وتزيح عن وجه الوطن آثار حروب ونزاعات ، وقامة وطنية تؤلف بين قلوبهم وترعى وتسهر على وفاقهم ووحدتهم ، ورجل دولة يرفع مداميك البشر والحجر والمؤسسات..
وأمل تحمله الذكرى هذا العام بعودتك الى أحضان وطنك وشعبك .. عله بهذه العودة الميمونة يعود للبنان ألقه وعافيته ، وتنقشع غيوم الأزمات بعدما زادها غيابك تلبداً في سماء واقع أوصلنا اليه من كانوا سبباً في يأسك وابتعادك..
دولة الرئيس..
في هذه المناسبة الأليمة .. ذكرى 14 شباط .. نستذكر والدك الرئيس الشهيد رحمه الله .. ونستحضر كل محطات مسيرته المتوهجة بحبه لبلده ، من سعيه لوقف الحرب ، وهمته وجهوده في جمع الأفرقاء اللبنانيين في مؤتمر الطائف وإرساء السلم الأهلي برعاية المملكة العربية السعودية ، الى إعادة بناء ما دمرته الحرب واستعادة موقع ودور لبنان في عمقه العربي وفي هذا الشرق وثقة العالم به..
ولا يمكن أن ننسى قبل هذا وبعده سهره - رحمه الله - على بناء البشر قبل الحجر بإتاحة فرص التعليم لعشرات الآلاف من الخريجين في أهم جامعات لبنان والعالم وتأمين عنصر الشباب المتخصص للمساهمة في انماء الوطن ، وعمله من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية وحفظ كرامة الإنسان اللبناني وتقوية مؤسسات الدولة وحماية لبنان من كل الأخطار ، ولا زلت أذكر - على سبيل المثال - دوره المساند لوطنه ومدينته ابان فترة الإجتياح الإسرائيلي وجهوده الجبارة التي افضت الى كسر الحصار الذي فرضه العدو الصهيوني عليها.
دولة الرئيس..
لقد واجه والدكم رحمه الله الكثير من الصعوبات والعثرات والمؤامرات من الداخل والخارج، وتحمّل ما لا يتحمله بشر.. لكنه صمد وثبت وضحى في سبيل أن يبقى لبنان.. وحتى حين شعر بأن الخطر أصبح داهماً، وتجسد الحقد الأعمى عليه اغتيالاً سياسياً قبل الجسدي، رفض ترك البلد وقال عبارته الشهيرة "استودع الله هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب"، وآثر التضحية لأنه شعر أن بلده بحاجة اليه، فقضى شهيداً لأجل لبنان، وكانت الحفرة العميقة التي أحدثها اغتياله بداية انزلاق لبنان الى حفرة أعمق شهدنا فصولها منذ اغتياله من خلال ما عصف بالبلد من أحداث وأزمات، ومن خلال استمرار محاولات الاستيلاء على مقدرات البلد ومؤسساته.
دولة الرئيس..
ربما لم تكن مصادفة أن يتزامن عيد الحب في يوم اغتيال والدك الشهيد رحمه الله ، لأن من اغتاله أراد اغتيال ارادة الحب والخير التي أرساها في هذا الوطن . وان استذكار الناس للرئيس الشهيد بكل الحب والوفاء هو لأنهم يشعرون مع كل سنة تمر على البلد منذ 14 شباط 2005 بأنهم أحوج الى تلك الإرادة أن تستمر ممثلة بنهجه ومشروعه..
دولة الرئيس ..
بعد جريمة الإغتيال ، كنت تخشى تسلم مسؤولية متابعة المسيرة - وربما كانت خشيتك في محلها -لكن رغم ذلك تسلمت الأمانة وكانت أميناً ومؤتمناً عليها .. وأردت أن تكمل ما بدأه رفيق الحريري لأجل لبنان، لكن تكالب عليك من لا يريدون للبنان التطور والإزدهار .. فتعرضت للكثير من الظلم والإفتراء ، وكان قرارك - القاسي عليك كما على البلد- بالإبتعاد..
دولة الرئيس..
لا بد انك اكتشفت الكثير وعرفت من هو المسيء ومن هو المحب لك ولوطنك.. لكنك بالتأكيد أدركت أنك لا تزال متربعاً في قلوب اللبنانيين لا يزاحمك أحد ولا استطاع أحد أن يملأ مكانك فيها، ولا أحد غيرك يعيد روح المبادرة الى هذا البلد ولا احد غيرك قادر على مد جسور التواصل بين مكوناته .. وها أنت ترى وتسمع كيف أن نبض الشارع وعاطفته وحبه وتقديره لك ازداد خلال فترة غيابك.. حتى من اختلفوا معك بالسياسة والتوجهات وكانوا سبباً في ظلمك وتيئيسك.. أقروا بالحاجة اليك..
دولة الرئيس..
كما كان والدك رحمه الله يلبي نداء الوطن حين يناديه .. وفي هذه الظروف القاسية التي تعصف بلبنان .. ها هو يناديك .. انه بحاجة اليك ولأن تتابع رسالة الرئيس الشهيد . وإن محبيك لا يزالون على وعدهم وعهدهم لك كما كان لوالدك .. وهم بانتظارك كي تلبي النداء لأن سفينة الوطن اليوم يتقاذفها موج متلاطم .. فكن الربان الذي يقودها الى بر الأمان.
صديقك الصدوق
عبد المولى الصلح
السفير السابق بالأمم المتحدة"