"في شِعاع العلم وأنغام الزمن: محادثة مع الشيخ الدكتور صالح معتوق"
في عالم يمتزج فيه الزمان والمكان بترانيم الذكريات، نستدعي روح اللقاء الذي أضاءته شمعة العلم والتفاني، حينما اجتمعت أرواح العلماء الكبار في مقابلة لا تنسى مع الشيخ الدكتور صالح معتوق. يرافقنا في هذه الرحلة ذكرى الدكتور عبد الرحمن حجازي، الذي ارتقى بروحه إلى السماء، مشكلاً حكاية عميقة تحاكي أجواء العطاء والتلاحم.
في عام 1989، وبعد أن انخرط في مسار التدريس في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي، اتسعت دائرة اللقاءات بينه وبين الدكتور حجازي. كانت الأجواء الصيفية هي فصل التلاقي المتكرر، حيث كثرت اللحظات التي التقيا فيها، وأحياناً كانت الزيارات تصل إلى بيت الشيخ، حاملة معها فريق العمل من إذاعة الإسراء، وكأنما تنساب كلماتهم في فضاء الحديث كنغمات مهذبة، تؤلف سوياً سمفونية الود والتفاهم.
ولم تكن العلاقة محصورة في لقاءات الصدفة، بل توثقت بشكل أكبر عندما شاركا في تأسيس المركز الثقافي الإسلامي في صيدا. كانا من الأعضاء المؤسسين الذين تلاقوا في اجتماعات الجمعية، واشتركوا في الأنشطة الثقافية، فكانت الساحة ممزوجة بروح التعاون وتضاف إليها ملامح بناء الخير.
في إطار هذا العطاء الجماعي، كان الدكتور حجازي نجماً يتألق في سماء تأسيس مدارس الإيمان في صيدا، حيث أسهم بشكل فعّال في هذا النضال التربوي. تولى رئاسة الهيئة العامة للجمعية، وكأنه يرتقي بمقام الخدمة إلى أعلى قمة، تاركًا بصمة ناصعة في تنظيم الدورات الصيفية وتنسيق الاحتفالات التي أضاءت مدرسة الإيمان.
وفي زخم هذه الأحداث، لم يتوان الدكتور حجازي عن العمل على تطوير الكادر التعليمي للمدرسة، حيث أضاءت نار العلم والتربية سماء الصيداويين بوقار ورؤية ثاقبة.
ولم يكتفِ الدكتور حجازي بالإشراف على تقديم المحتوى التعليمي فقط، بل تطلع إلى ميادين أخرى، حيث بادر بإنشاء إذاعة محلية (إذاعة الإسراء) في صيدا والمناطق المحيطة، تعكس هموم وآمال السكان، وتعمل على توعيتهم تربويًا وثقافيًا، ودينيًا، وأخلاقيًا، وسياسيًا. شكّل فريق العمل في الإذاعة كتلاً متجانسة، حيث كان الدكتور حجازي المخطط الرئيسي والمنسق الفني للبرامج، وعكست هذه الإذاعة سمعة طيبة، وصدى واسعًا في قلوب الصيداويين بكل طبقاتهم.
في إحدى زيارات الصيف في التسعينات، قرر الدكتور حجازي دعوة الشيخ معتوق للمشاركة في برامج الإذاعة، فأجاب بفرح على هذه الدعوة. سجّل ثلاثين حلقات في علوم القرآن الكريم، أُذيعت في شهر رمضان، ولقيت استحسان الجمهور. هكذا امتزجت أصواتهما في سمفونية من المعرفة والحكمة.
وبعد العام 2003، وعندما استقر الشيخ في لبنان، توطدت العلاقة بينهما أكثر، وتكلم الدكتور حجازي عن السلسلة الثمينة التي قام بإعدادها في مجال التربية الإسلامية للمدارس. ذهب أبعد من ذلك، حيث ناقش جهوده في السفر إلى المناطق اللبنانية النائية لتعريف الناس بهذه السلسلة.
وكما تبادلا الحديث عن العمل الأكاديمي، كان الدكتور حجازي يستفسر عن أخبار الشيخ ويشجعه على مواصلة التأليف والإسهام في مجال العلم والتربية، داعيًا إلى عدم الاكتفاء بالتدريس أو إمامة المسجد، بل المضي قدمًا في تقديم الإفادة للمجتمع.
عرفت الدكتور حجازي رجلاً عصامياً، يُظهر ثباتاً واجتهادًا. كان رجلاً موضوعياً، يتحدث بروية وسلاسة، مستنيرًا بعقله وهدوءه. كان يحترم أهل العلم ويقدر جهودهم، داعيًا طلاب العلم إلى المثابرة والاستمرار في التحصيل العلمي لخدمة مجتمعهم هكذا.
وكان يؤكد دائمًا على أن الدنيا غير منصفة، وأنه يجب على الإنسان العمل بجد وإخلاص، متسلحًا بإيمانه بأن الحقيقة والتقدير الحقيقي تأتي في الآخرة. وكان دعاؤه الدائم أن يرحم الله روح الدكتور عبد الرحمن حجازي، ويسكنه فسيح جناته، مؤكدًا أن ذريته ستكون خيرًا وسيكون إرثهما مستمرًا في خدمة الإسلام والمسلمين.
في ختام تلك اللحظات الجميلة مع الشيخ معتوق، يرتفع صوت الدعاء بالرحمة والغفران لروح الدكتور عبد الرحمن حجازي، ويتمنى الشيخ أن يكونوا في مستوى النجاح والتميز الذي شهدوه من قبل، مستلهمين من دروب الشموخ والتفاني التي خطّها الدكتور حجازي في خدمة العلم والتربية.
سيرة مختصرة عن الدكتور صالح يوسف معتوق
في مدينة صيدا الجميلة، وتحت سماء لبنان الرائعة، رأى النور في عام ١٩٥٤م العالم والداعية البارع، الدكتور صالح يوسف معتوق. يحمل في قلبه وعقله حب العلم والبحث، وهو يعد واحدًا من أبرز علماء الشريعة في العصر الحديث.
بدأ مسيرته العلمية بالتحصيل في معهد أزهر لبنان في بيروت، حيث انطلق إلى عالم العلم الشرعي. حاز على شهادة الثانوية الشرعية عام ١٩٧٥م، ثم انطلق إلى المملكة العربية السعودية حاملاً حملة العلم والعلوم الشرعية. في جامعة الملك عبد العزيز، حصل على درجة البكالوريوس في كلية الشريعة، قسم الدعوة وأصول الدين، في فرع مكة عام ١٩٧٩م.
تواصل مسيرته العلمية بالتفوق، وحصل على درجة الماجستير من كلية الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، قسم الكتاب والسنة، في عام ١٩٨٣م. ولم تكن مسيرته تتوقف هنا، بل تابع دراسته وحصل على درجة الدكتوراة من كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، في فرع الحديث الشريف وعلومه، عام ١٩٨٨م.
تألق الدكتور صالح يوسف معتوق في مجال التدريس، حيث عمل كمدرس في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي منذ ١٩٨٩م حتى ٢٠٠٣م. تقدم في مسيرته الأكاديمية وترقى إلى درجة أستاذ مساعد (مشارك) في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.
من ثم، تعاقد مع جامعة بيروت الإسلامية ليشرف على تدريس مرحلتي الإجازة والدراسات العليا ابتداءً من العام الجامعي ٢٠٠٣-٢٠٠٤م. ولم يتوقف تقدمه في الحياة الأكاديمية، حيث ترقى إلى درجة الاستاذية في جامعة بيروت الإسلامية، كلية الشريعة.
إلى جانب تألقه في التدريس، كان الدكتور صالح معتوق مبدعًا في ميدان البحث العلمي. أشرف على أكثر من ١٥٠ رسالة علمية، وناقش أكثر من مائتي بحث علمي، إضافة إلى كتابة العديد من المؤلفات التي أثرت في ميدان الحديث وعلومه.
معد المقابلة د. مصطفى عبد الرحمن حجازي