د. عبد الرحمن حجازي ... جسّد حبه لصيدا بسيرة عطرة وميراث علمي
كتب الإعلامي هيثم زعيتر:
طوى الدكتور عبد الرحمن عثمان حجازي، آخر صفحاته في دار الفناء، مُرتَحلاً إلى دار البقاء، بعد 76 عاماً حافلة بالعطاء والمآثر.
المولود الذي أبصر النور في صيدا، قبل نكبة فلسطين بعامٍ واحد، تفتّح وعيه بين بساتين الليمون والأكي دنيا، وأزقّة البلدة القديمة، وميناء المدينة وقلعتيها البحرية والبرية، والمساجد والكنائس والمقامات الدينية والمدارس.
في تلك الأجواء والمعالم، تكوّنت شخصية عبد الرحمن حجازي، الذي اتسم بالطيبة والصدق، والتواضع، ودماثة الخُلُق، وحُب مُساعدة الآخرين، فكرّس ذلك في مسيرته التربوية، طالباً، وأستاذاً، ومُربياً، ودكتوراً، وعالِماً، في مدارس "المقاصد" و"الإيمان"، حيث كان الأستاذ والمُشرِف التربوي، وفي الجامعة أستاذاً ومُشرفاً على رسالات الدكتوراه.
ترك في المجال التربوي والتعليمي كُتُباً ومقالات، خاصة سلسلة الكُتُب التربوية في اللغة العربية والتربية الإسلامية، التي أضحت مادّةً أساسية مُعتمدة للتعليم في العديد من المدارس.
عبّر عن حُبِّه لمسقط رأسه، بمُتابعة أدق التفاصيل المُتعلّقة بمدينة صيدا، فجمع ووثّق ذلك في كُتُبٍ، تحدّث فيها عن المدينة وجمالها ومعالمها، خاصة في كتاب "معالم صيدا الإسلامية"، الذي أصبح مرجعاً لكل باحث عن صيدا.
كما أَوْلَى كُلَّ اهتمامٍ بالقضية الفلسطينية، مُدافِعاً عنها، بمجالاتٍ عدّة، وعاملاً على بث حقيقة عدالتها بمُواجهة همجية العدو الإسرائيلي.
تعرّفت إلى الراحل قبل 4 عقود من الزمن، وتطوّرت العلاقة أكثر حين كَتَبَ مقالاتٍ توجيهية ضمن زاوية خاصة حملت اسم "رأي" في "لـواء صيدا والجنوب"، الذي صَدَرَ في جريدة "اللـواء" على مدى 25 عاماً، بين العامين 1991-2016، يتطرّق فيه إلى الواقع والآمال والتطلّعات، ويُعطي النصائح والتوجيهات.
كما أعدَّ الحلقات الإذاعية، في إذاعة "الإسراء"، التي كانت تبث من مدينة صيدا، ضمن برنامج هادف حمل اسم "سعد وحسون".
كانت للراحل مُساهَمَاتٌ ضمن المُؤسّسات والجمعيات والهيئات الخيرية والتربوية والثقافية والتعليمية والاجتماعية، مُتطوّعاً بتقديم الخدمة، وواضعاً بجُهدٍ ما اكتسبه من علمٍ وتجاربٍ وخبرة.
يُغمِض الدكتور عبد الرحمن حجازي عينيه، وهو مُعتزٌّ بدينه الإسلامي الحنيف، وما يُشكّله من اعتدالٍ وإنسانية، فكرّس ذلك في تعامله مع الآخرين، مُقتنعاً بما حقّقه، وعمل على تركه، بسيرةٍ حُفِرَتْ بميزاتٍ في عقول تلامذته الذين تبوأ كُثرٌ منهم مراكز مرموقة.
أيضاً في المُؤلّفات والدراسات والمقالات التي كتبها، وأصبحت مرجعاً يشفي غليل الذين يغوصون بحثاً عن العلم والتاريخ والتوثيق.
يرحل الدكتور عبد الرحمن حجازي، بعد مسيرة أكثر من 40 عاماً في التعليم، كان فيها المُربّي الحازم بحنان الأبوّة، واستمرَّ بعد ذلك في العمل التربوي والثقافي والخيري، حتى رحيله، فلم يبخل بنصيحةٍ أو مد يد المُساعدة والعون.
ترك أسرته الصغيرة، التي تُتابع مسيرته، وعائلته الكبيرة من تلامذة، إضافة إلى إرثٍ تعليمي وأدبي وثقافي، ليبقى كل ذلك بصمة نجاحٍ تُشير إلى الصيداوي الطيّب "أبو عثمان"، تغمّده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله ومُحبيه الصبر والسلوان.