القضية الفلسطينية والثوّار يُودّعون جيزيل خوري
كتب هيثم زعيتر:
كالصاعقة نزل خبر ارتقاء الإعلامية اللبنانية القديرة والرصينة جيزيل قزّي خوري، بعد صراع مع مرض عضال أخفته عن الإعلام، منعاً لتسليط الضوء على إلا عملها وإنجازاتها في دنيا "مهنة المتاعب".
عن 62 عاماً، تُغادرنا جيزيل خوري، وقلبها المتوقّف عن النبض، حزين على هموم الأُمّة العربية عموماً، والقضية الفلسطينية خصوصاً، وهي التي حملت وشاركت في نقل نبض الثورات، وأوّلها انتفاضة الشعب الفلسطيني، إلى أنْ أصبحت "أرملة" الشهيد سمير قصير، الذي ارتقى في زمن الاغتيالات.
بدأت مسيرتها الصحفية في زمن الاضطرابات وصراعات منطقة الشرق الأوسط المُتواصلة، فلَمَعَ نجمها في عالم التغطية السياسية على مدى عقود عدّة، وكانت خير صوت ينقل الحدث بموضوعية، وفهم عميق للتحديات والحساسيات العديدة، لشتّى الأحداث في هذا الجزء المشتعل دوماً من العالم.
تحدّت المخاطر والصراعات، بسبب التزامها بالصحافة النزيهة، والهادفة إلى كشف الحقائق، وتسليط الضوء على الفساد والإفساد، ومنابع الأزمات، فلم يقتصر عملها بداية، على التقارير الإخبارية التقليدية، بل ارتقى إلى مُستوى الإعلام المفتوح.
نجحت وتميّزت بإجراء المئات من المُقابلات العميقة مع شخصيات ذات تأثير سياسي كبير، طارحة أهم الأسئلة وأحرجها في أحلك ظروف، علّها تعود للمُشاهد بإجابات شافية ووافية.
أتقنت فن احترام الضيف، رغم دقّة الأسئلة، في وقت فشل الكثيرون بالحفاظ على رقيّهم، وتراكضوا لـ"صناعة السبق الصحفي"، بينما كانت خوري يصلها "السبق" بسلاسة، بسبب الرصانة والرقي، رغم المشهد السياسي المُعقّد في المنطقة، وهو الأسلوب الذي سهّل انتقالها بين العديد من المحطات من المحلية إلى العربية، فالعالمية.
بدأت مسيرتها في العمل الإعلامي عام 1986 في "المُؤسسة اللبنانية للإرسال LBC"، لتظهر في أوّل برنامج خاص على الشاشة "حوار العمر"، الذي استمر بين عامَي 1992 و2001، حاورت خلاله أبرز الشخصيات السياسية والثقافية العربية والعالمية، وكان للقضية الفلسطينية حيّزٌ كبيرٌ من الاهتمام.
لكن محطتها العربية الأولى كانت مع مجموعة "mbc" في العام 2002، ثم ساهمت بعد عام في إطلاق قناة "العربية"، من خلال برنامج "بالعربي"، الذي استمرَّ 10 سنوات بين العامين 2003 و2013، لتنتقل بعدها إلى "BBC عربية" في العام 2013، مشرّحة "المشهد العربي" بمختلف أحواله، من خلال استضافة كبار القادة والمُفكّرين، الذين حاورتهم عن لحظات مفصلية في التاريخ العربي المعاصر.
أما محطتها الأخيرة، والتي وافتها المنية خلال مشاورها فيها، فكانت في قناة "سكاي نيوز عربية"، التي انتقلت إليها في العام 2020، لتبدأ رحلة برنامج "مع جيزال"، الذي شكّل نُقطة تحوّل في شكل البرامج الحوارية وإيقاعها، وكان نقطة بداية ونهاية، حيث عُرِضَتْ آخر حلقاته يوم 25 أيلول/سبتمبر 2023.
حياة جيزيل خوري، امتزجت بصراعات الحرب والمُقاومة والتضحيات من أجل الصحافة الحرّة والنزيهة، ليكون اغتيال زوجها الإعلامي والمُؤرّخ سمير قصير، بتفجير عبوة ناسفة في سيارته بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2005، نقطة تحوّل في مسيرتها الإعلامية، خصوصاً أنّ قصير كان يُوصف بـ"مُهندس" انتفاضة 14 آذار/مارس" 2005، التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تركت خوري إرثاً صحفياً كرّست من خلاله حياتها المهنية لتعليم وتوجيه الأجيال الجديدة من الصحفيين، من خلال مُساهمتها في إنشاء مُنظمات إعلامية وثقافية، مثل "مُؤسسة سمير قصير" و"مركز سكايز للحرية الإعلامية والثقافية"، التي تُمثّل اليوم مرجعية لمُؤسّسات حقوق الصحفيين والمُثقفين في العالم العربي.
رغم كل الألم، بقيت جزيل، صاحبة الابتسامة البشوشة، التي تستقبلك بلهفة وتشد الهمم، وتُبدي كل تشجيع، وتسأل باستمرار عن فلسطين، التي ارتبطت بعلاقات وطيدة مع قادتها، وفي طليعتهم الرئيس الشهيد ياسر عرفات والرئيس محمود عباس.
برحيل جزيل خوري، يخسر الإعلام اللبناني والعربي والقضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية وثوراتها، قطباً أساسياً رفع لواءها بكل احترام، ولم يستطع الغدر أن يهزمها، لكن أغمضت عينيها مستسلمة للمرض.