الشهاب: لا تنسوا الصدقات!
جاء في الحديث الشريف: (الخير بي وفي أمتي إلى يوم القيامة)! فالمؤمنون والخيَّرون قلائل في هذا الزمن، والمحسنون الذين يعملون في صمت ولا تدري يسارهم بما قدمت يمينهم أقل من القليل؛ والبعيدون عن المدح والإطراء، والذين يعملون في سبيل الله وطمعاً في رضوانه، ومرضاته لا يريدون جزاءً ولا شكوراً فئة نادرة!
فالإيمان العميق لا يستطيع أن يحمله إلاَّ أصحاب القلوب الطاهرة والضمائر المرهفة، والإيمان إرادة وحزم، والحزم خلق أبكم، أصم. والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم.. والذين يمسحون دمعة يتيم، ويخففون آلام ثاقل، ويدفعون الحرمان عن البؤساء والمعذبين في الأرض، ويرحمون عزيز قوم ذل، وغني قوم إفتقر، ويعطون ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
هذا الفريق من الناس أشار إليهم الرسول الأعظم، وأتى على ذكرهم القرآن الكريم! ومما لا شك فيه أن الثراء نعمة، فالله يهب الرزق لمن يشاء، ويورث الأرض عباده الصالحين.. والجاه ميزة يهبها الخالق شريطة أن تُجند لخدمة مظلوم، و دفع أذى القوي عن الضعيف.. والثراء والجاه إذا وُجَّها نحو الخير والصلاح كانا الطريق المعبد لولوج جنات الله الوارفات وبلوغ مرضاته!
و كتاب الله غنّي بالآيات البينات التي تأمر بالخير و العطاء؛ و هذه الآيات أكثر من أن تعد و تحصى و منها: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) فالمال لله تعالى وما العبد الاَّ واسطة خير بين الخالق وعباده، ومال الله لا ينفق الاَّ لمصلحة إنسانية ولا يجود به الاَّ المؤمنون المخلصون، وشرط هذا الجود أن يكون بعيداً عن الدعاية، بريئاً عن المباهاة والتبجح متحرر من الإعلان والمفاخرة.
ومن المؤكد أن الإحسان الأبكم الأصم يتميز بصفة إسميه.. فالمحسن الأصيل لا يفرق بين جنس وجنس، وطائفة وأخرى؛ فهو للناس أجمعين، على إعتبار أن الإحسان قطعة من جنانه، ودفق من وجدانه، وإيمان بالرسالة الإنسانية، وسيل يتدفق في العروق. وصدق شاعرنا القروي عندما يقول:
إذا نحن أوتينا الثراء ولم نكن على فقراء النـــاس أدعى إلى البذل
فأي ثوابٍ نرتجي عند ربنـــا وما هو فضل الجود يوماً على البخل
وبعد؛ هذه قاعدة ثابتة ومبدأ أساسي للإحسان والمحسن.. فالمحسن ربما كان من كبار الأغنياء، وربما كان من أبناء الشعب العصاميين، الذين ظفروا بالثراء والجاه بعرق الجبين وكد اليمين.. وربما على إعتبار أنّه مرّت به تجارب الحرمان والألم يعطي بصمت، ويغمد الجراح المكلومة، ويواسي النفوس الحائرة، ويلأم جراح القلوب الكسيرة، ويعمل صامتاً مستجيباً لنداء قلبه الزاخر بالإيمان وأنه في ذلك (جندياً مجهولاً) فهو يعطي بدافع من قوة جازفة متمثلاً بالصالحين!!
هذا؛ و بصدق ثابت و إيمان عميق أرى صيدا لا تخلو من المحسنين الصامتين (مقيمين ومغتربين) الذين تنطبق عليهم جميع الصفات والميزات التي تقدمت.. وتذكيراً –لهم- لقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) فلا ينسوا إخوانهم الصيداويين و خاصة في صيدا القديمة و أهاليهم المتضررين بأحداث عبرا وضحاياهم وأولادهم الموقوفين.
سائلاً الله أن يفك أسرهم! و يلهم الجميع الصبر في الدمع الحبيس؟
المصدر | بقلم المربي الأستاذ منح شهاب