خليل المتبولي: معروف سعد ... مسيرة وبعد!
يبدو أحيانًا وكأنه كيان يزدحم حد التمزّق بالتناقضات : قائد وجندي ، محاور ومقاتل ، شرس وحميم ، صريح وغامض ، حنونٌ وقاس . هكذا ظهر لي معروف سعد بعد قراءاتي والبحث عنه ، كان قائدًا ثوريًّا في مرحلة مخاض سياسي اجتماعي وحراك وطني وقومي ، تتطلع فيها القلوب إلى تحقيق حلم أجيال بالحياة الحرة والوطن المستقل ، وصار معروف سعد رائدًا من رواد القادة المناضلين الثوريين المكافحين ، وشخصية استثنائية أسطورية .
معروف سعد ، شرب من نبع المروءة والعروبة والوفاء والفداء ، بقي وسيبقى بهذه الصفات خالدًا أبد الدهر في صيدا ، التي ارتبطت به وارتبط بها وصار تعبيرًا عنها ، ما بقيت صيدا في الوجود ، فوجوده كان مرتبطًا بهذه المدينة ومتوحدًا بها ، بالإضافة إلى مسيرته النضالية والكفاحية التي مازالت بوجدان وعقول أبناء المدينة ، ما إن تذكر اليوم وبعد سبعة وأربعين عامًا من الاستشهاد اسم معروف سعد حتى تتواتر وتتكاثر الأخبار عن الأعمال النضالية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعمرانية بحق صيدا والصيداويين.
معروف سعد ، كانت فلسطين تسكنه ، وتسكن دمه ، أوقدت نار طموحه وكفاحه ، وصاغت صورة حلمه العربي وقضيته . فلسطين كانت عنده الأرض ، الوطن ، الذاكرة ، الناس ، الحياة ، الثقافة ، والتراب الطاهر الذي كان يقول معروف أنه يجب أن يُغتسل من كل دنس ، دنس الاحتلال والاغتصاب والاستيلاب والاستيطان ، والعقوق والخيانة من شرذمة العرب الانتهازيين والرجعيين والانحرافيين والاستسلاميين . لقد كان مؤمنًا أن فلسطين الثورة والقضية ، التي لا تقبل اختلافًا ، ولا قسمة ، لا تعدّدًا.
معروف سعد ، فِكرٌ وفكرة ، الذين قتلوا معروف سعد يفترضون أنهم بهذه الطريقة ارتاحوا منه ، لكنهم لا يدركون أنه ليس مجرد فرد ، إنه بالدرجة الأولى فكرة ، ومن أهمية الأفكار أنه لا يمكن أن يطلق عليها النار لقتلها ، لأن لها خاصيّة الدفاع عن نفسها ، تفضح التزييف والخداع ، ولها قدرة على الاندفاع وتخطي الحواجز ، والتجدد الدائم أيضًا . إنّ معروف سعد كان يمتلك الحق والحقيقة ، ولا يخاف أحدًا ، فهو باقٍ معنا باستمرار ، لم يتركنا أبدًا ، يتجدد في عقولنا وضمائرنا.
معروف سعد رحل ، وبقيت من بعده سيرة مناضل مكافح ثوري كبير ، شريف ، شجاع ، ومواقف سياسية تتوهج بالصدق والنقاء والكرامة والعنفوان ، وصوت الناس الصادح بالحق ، وأفكار ثوريّة عطرة كعطر نفسه الزكيّة . وهكذا يكون سرّ المناضلين الثائرين المكافحين ومعناهم الباقي على الزمان ، مسيرة ... وبعد!