"بؤساء" التّعليم في لُبنان
عندما كتب فيكتور هوغو رائعته "البُؤَساء"، لم يكُن يعلم أَنّ مَن سيقوم بتأدية أَدوار البُؤس فيها... إِنّما هُو المُعلّم التّربويّ في لُبنان، في بدايات القرن الحادي وعشرين، مع الاحترام الكبير لكُلّ "أَحزمة البُؤس" في لُبنان وكُلّ البُؤساء فيه، على اختلاف مشاربهم ومُيولهم واتّجاهاتهم...
ولذا فقد جاءت العبارة في صيغة الجمع فَقيل: "البؤساء".
وما نسمعُه اليوم على سبيل المِثال لا الحصر، في شأن صرخةٍ مِن المُهندسين لحِماية صناديق التّقديمات الاجتماعيّة والتّقاعُد... لا يحول دون سماعه قريبًا جدًّا، رُبّما، في الشّأن التّربويّ، بخاصّةٍ وأَنّ مساعٍ يُقال إِنّ حُكومة فؤاد السّنيورة السّابقة، قد قامت بها لوَضْع اليد على "صُندوق التّعويضات" للعاملين في المدارس الخاصّة لم تتكلّل بالنّجاح حينها!.
وما نسمعه اليَوم أَيضًا، من خلال صرخة مُتقاعِدي قوى الأَمن: "نرفض المسّ برواتبنا"... يُظهر في دَوره مدى انفلاش الأَزمة العميشيّة وانسحابها على كُلّ المُواطنين وبينهُم العاملون في القطاع التّربويّ، ما يُضفي على بُؤْس البُؤساء في لبنان آلامًا أُخرى ذات شُموليّةٍ عامّةٍ!.
وفي العَوْدةِ إِلى الشّأن التّربويّ، إِشارةٌ إِلى أَنّ على طالب الحُصول على حقوقه من "صندوق التّعويضات لأَفراد الهَيْئة التّعليميّة في المدارس الخاصّة في لُبنان، اليوم، أَن يتقدّم بطلبه الآن، بَيْدَ أَنّه يُعطى مَوْعدًا بعد ستّة أَشهُرٍ، ليس لتحصيل تعويض نهاية الخدمة... بل للمُراجعة في شأن صَيْرورة ملفّه!.
وحتّى ذلك الحين، يبقى المَطلوب من صاحب الشّأن أَلّا يأكُل... ولا يشرب... بل يعيش عيشةً "بَعليّةً" كشجرة الزّيتون... فهل ذلك جائزٌ؟ وهل هو مُمكِنٌ؟... هل عادلٌ؟... وهل منطقيٌّ؟...
وأَمّا المُعلّمون في القطاع الرّسميّ فهُم ليْسُوا أَفضل حالًا مِن العاملين في القطاع الخاصّ، وإِن اختلفت أَوجه البُؤس بالنّسبة إِليهم... ما يطرح تاليًا السُّؤال: لماذا إِذًا يُلام بعد كُلّ ذلك المُعلّم، سواء أَكان في المدرسة الخاصّة أَم الرّسميّة، إذا ما طالب بأَبسط حُقوقه كإنسانٍ أَوّلًا؟.
وإِذا كانت مسأَلة تعويضات المُعلّمين في المدارس الخاصّة، وجهًا آخر مِن وجوه انتهاك الحُقوق الإِنسانيّة المُفترض أَن تكون مكفولةً، بقوّة القانون وشرع والمنطق الإِنسانيّ وقيَمِه أَقلَّه... فإِنّ حقوقًا آخرى مُستحقّةً بالتّوازي، لأَساتذة التّعليم الرّسميّ، الأَكاديميّ والمهنيّ في لُبنان ليست بأَفضل حالٍ ومنها مسأَلة الـ90 دولارًا دعمًا، الّتي أُقرّت للعاملين في التّعليم الرّسميّ، قبضها البعض... لم يقبضها البعض الآخر، وقد قيل لبعض البعض أَنّ عليهم الانتظار، وحتّى ذلك الحين... المُبادرة أَوّلًا باستئناف التّعليم، ومِن ثمّ يحصلون على "منحةٍ" أَو "تكرمة" الـ90 دولارًا تلك.
وفي هذه الحال على المُعلّم أَن يصل إِلى مركز عمله "سيرًا على الأَقدام"، أَو أَن "يُفاوض" صاحب محطّة الوقود كي يُسلّفه محروقاتٍ يستخدمها للوصول إِلى مؤسّسته التّعليميّة بكفالةٍ، ووعدٍ حُكوميٍّ قد يتحقّق!... فيما الآلاف الستّين مِن الليرات اللُبنانيّة، بدل كُلّ يَوم حُضورٍ وإِنْ أُقرّت للمُعلّمين، فقد تكفي البعض ولا تكفي البعض الآخر، للحُضور إِلى عملهم الخدمويّ التّربويّ الّذي بات يُقارب في رواتبه عمل السُّخرة، وتكلفة الانتقال إِلى مركز العمل تُضحي بالتّالي شخصيّةً، إِذ إِنّ لكُلّ مُعلّمٍ ظُروفه، بحسب مَوْقعه، وبُعده عن المُؤسّسة التّربويّة الّتي بعمل فيها، ومع ارتفاع الأَسعار وجُنون الدُّولار والتضخُّم القاتل!...
كلّ هذا يحدث، في وقتٍ أَشارت مصادر صحافيّة صباح أَمس الاثنَين، إِلى أَنّ "الحُكومة تُقدّم (جُهنّمًا ضريبيًّا) مِن دون إِصلاحاتٍ... ومزيدًا مِن الإِفقار" للُبنانيّين!.
وتتوقّع مصادر أُخرى أَلّا يُحقّق تراجُع الدّولار "إِنخفاضًا ملموسًا في الأَسعار"، ما يُكرّسُ بُؤس اللُبنانيّين جميعًا لا المُعلّمين فقط!
وللحديث صلةٌ.
المصدر | رزق الله الحلو - النشرة
الرابط | https://tinyurl.com/5n6rbecc