أسامة سعد (1/2): "كلّن" مسؤولون عن الخراب.. والحزب منهم
يخطئ من يعتبر أنّ نائب صيدا الدكتور أسامة سعد هو نتاج وراثة سياسية لوالده الشهيد المناضل معروف سعد، أحد أركان ثورات التحرير في فلسطين، حيث واجه الاحتلال الإنكليزي والتمدّد الصهيوني، وأحد المناضلين في لبنان وسوريا إبّان الانتداب الفرنسي.
كذلك ليس أسامة وريثاً لشقيقه مصطفى الذي فَقَد نظره ذات يوم من العام 1985 عقب محاولة اغتيال إسرائيلية بعد زرع عبوة قرب منزله في صيدا. بل يمكن القول إنّ مصطفى وأسامة سعد، الصبيّين الوحيدين لمعروف سعد، بين 5 شقيقات، قد دفعا ثمناً باهظاً لمسار والدهما الذي اختار مقاومة الاحتلالات جميعها. ففقد حياته باكراً، وفُجِع نجله مصطفى بفقد طفلته ناتاشا التي قضت جرّاء الانفجار. فيما تعذّر على أسامة ممارسة مهنة الطّب التي درسها في مصر لاضطراره إلى مواكبة شقيقه المصاب طوال حياته.
أسّس معروف سعد في العام 1958 المقاومة الشعبية، وكانت تحمل هويّة وطنية وعربية في الوقت ذاته، ورفعت شعاراً ضدّ إلحاق لبنان بسياسة الأحلاف.
إذن أسامة سعد هو نتاج معاناة عائلية وسياسية ووطنية عميقة. لذلك يقتحم العمل السياسي كوالده بروحيّة "ابن الشعب"، محافظاً على البساطة في التعامل وعلى هالته التي يشكّلها الصيادون وبائعو العربات والسائقون واللاجئون والفئات الشعبية في صيدا، متشبّثاً بخطّ والده.
وأيّ حوار مع الدكتور أسامة يحتّم مراجعة أربعين عاماً من نضال والده معروف الذي قضى شهيداً برصاص غادر ذات تظاهرة لصيّادي الأسماك في العام 1975، شكّلت بحسب نجله أولى محاولات إشعال الحرب الأهلية. اُتُّهم وقتئذٍ الجيش اللبناني باغتيال صاحب الأدوار الوطنية والسياسية والثورية وصديق جمال عبد الناصر ومؤسّس التنظيم الشعبي الناصري. شكّل اغتياله شرارة اندلاع تحرّكات وتظاهرات في أنحاء لبنان، بعضها يدافع عن الجيش، وبعضها الآخر يتّهمه.
وفي نهاية المطاف تكفّلت بوسطة عين الرمانة بإشعال أتون الحرب الأهليّة لأعوام.
المقاومة الشعبية
رأى أسامة، الذي ولد في صيدا في 6 حزيران من العام 1954، الموت يخطف والده بعد كفاح بطولي بين فلسطين ولبنان. وكان معروف سعد الشابّ قد أسهم في أكثر من حركة تحرّر، ووصل أخيراً إلى أعلى سلّم التضحية حين سقط مضرّجاً بدمائه برصاصة قاتلة.
أما أسامة قد فقد والدته شفيقة البزري وهو لا يزال في الثالثة من العمر. بعد وفاة الوالدة تكفّلت جدّته لوالدته آمنة والخالات بتربية الأولاد السبعة: منى، مصطفى، جميلة، أسامة، وفاء، وشهناز ورلى، يعيش منهم حالياً منى وأسامة ووفاء وشهناز. وضع معروف سعد أولاده في مدرسة داخلية في عشقوت، ثمّ في المقاصد في صيدا. وكانت العائلة تمضي فترة الصيف أحياناً بين جزّين وبكاسين، وأمّا الوالد فكان منشغلاً بالسياسة والنضال.
كان معروف سعد ابناً للحركة الشعبية في صيدا والجنوب، وظاهرة جمعت بين النضال الوطني اللبناني والنضال القومي الفلسطيني، ومارس الكفاح المسلّح والسياسة أكثر من 40 عاماً.
أسّس معروف سعد في العام 1958 المقاومة الشعبية، وكانت تحمل هويّة وطنية وعربية في الوقت ذاته، ورفعت شعاراً ضدّ إلحاق لبنان بسياسة الأحلاف. وقد حافظت هذه المقاومة الشعبية بقيادته على التنوّع الديني الموجود في صيدا، ولم تقع أيّة حوادث لها طابع طائفي، بل كان ثمّة حرص شديد على ألّا تنزلق الأمور في صيدا ومحيطها إلى صدامات طائفية.
وتعرّف إلى الخطّ القومي الناصري باكراً، والتقى الزعيم جمال عبد الناصر للمرّة الأولى في زمن الوحدة المصرية السورية تحت مسمّى الجمهورية العربية المتحدة، وذلك إبّان الاحتفالات بالوحدة بين البلدين، إذ شكّلت أطراف لبنانية وفوداً وقصدت دمشق والتقت عبد الناصر تأييداً للوحدة. بعدها زار معروف مصر والتقى عبد الناصر في القاهرة.
النيابة والنضال
في هذا المناخ القومي العربي المنفتح وذي الرؤية العصرية نشأ أسامة. يقول لـ"أساس": "لم نعش أبداً في جوّ منغلق بل في مناخ من الانفتاح على البيئات اللبنانية كلّها والشرائح والطبقات الاجتماعية جميعها. نشأنا في بيئة وطنية عربية تقدّمية وعصرية متمسّكة بالتنوّع والتعدّدية".
أوقف دراسته لعامين بعد استشهاد والده في العام 1975، وكان في الـ21 من العمر. كان على مشارف التخصّص في طبّ الأطفال في القاهرة، لكنّه عاد إلى لبنان، وشعر بالكثير من الحزن والمرارة: "اغتيال معروف سعد كان محاولة أولى لتفجير الوضع في لبنان، نظراً إلى كونه شخصيّة وطنية تحمل تاريخاً من النضال الوطني والقومي، وخصوصاً في فلسطين ضدّ الاستعمار الفرنسي". ويذكّر بأنّ والده كان محكوماً عليه بالإعدام من السلطات الفرنسية والبريطانية. وعند نيل لبنان استقلاله في العام 1943 كان معروف سعد لا يزال مسجوناً لأنّه انضوى في الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الفرنسي. لم يشأ مصطفى الابن الأكبر لمعروف أن تُطوى راية والده باستشهاده، فترك دراسة الهندسة الزراعية في موسكو وعاد إلى صيدا ليتابع معارك والده، لكنّ محاولة الاغتيال كانت له بالمرصاد.
في 21 كانون الثاني من العام 1985 زرع الإسرائيليون عبوة تحت منزله في صيدا، فأُصيب إصابة بليغة في جسده وعينيه، وانتقل أسامة من مصر إلى باريس فالولايات المتحدة الأميركية ليتابع الوضع الصحّي الدقيق لشقيقه الذي فَقَد نظره واستشهدت طفلته ناتاشا وجاره محمد طالب، وأُصيبت زوجته وجيرانه وخاله وجيرانهم من آل عسيران وأقارب وبنات خاله. كلّهم أصيبوا في الوجه والعينين ولكنّهم لم يفقدوا البصر.
بقي مصطفى فاقداً للوعي لأكثر من شهر، لكنّه شُفي وعاد لممارسة السياسة منتهجاً خطّاً وطنياً كوالده. بدوره كان أسامة عضواً في رابطة الطلاب العرب ونائب رئيس رابطة طلاب لبنان بالقاهرة، وعضواً في تنظيم الطليعة العربية الذي ضمّ الكثير من الجنسيات العربية. وقد تزوّج السيدة إيمان الطويل، وهي مصرية الجنسية، ولديه منها الأولاد معروف ومنار ومحمّد.
هكذا اقتحمت رصاصات الغدر والعبوات حياة أسامة سعد باكراً، فأرغمته على ترك تخصّصه في طبّ الأطفال في مصر، وعاد ليواكب شقيقه مصطفى الذي فقد نظره، لكنّه لم يفقد إرادة العمل في الشأن الوطني.
إثر وفاة مصطفى (الذي كان نائباً منذ العام 1992) في العام 2002، انتخب أسامة نائباً بالتزكية واستمرّ في دورات 2005. لكنّه فقد مقعده في العام 2009، وأُعيد انتخابه في العام 2018.
خارج المنظومة
في حديثه يبدو أسامة سعد متأثّراً بتاريخ والده الذي حارب الصهاينة والإنكليز لإنقاذ فلسطين من التهويد، وناضل في الحركة الوطنية اللبنانية وضمن حركات السلم والتحرير المختلفة. وهو على غرار والده لديه حساسيّة من المسؤولين الذين يستغلّون مناصبهم من أجل مصالحهم. ولديه حساسيّة أيضاً ممّن يقول له إنّه متحالف مع المقاومة، إذ يعتبر أنّ بيته هو الأولى بالحديث في هذا المجال لأنّه سبّاق في العمل المقاوم.
تصدّى النجل الأصغر لمعروف سعد للعمل السياسي بنزعة ضدّ الظلم والمنظومة، فتلاقى مع ثورة 17 تشرين الأول 2019. في هذا السياق، لا بدّ من استحضار حوادث العام 1936 حين اندلعت الثورة في جنوب لبنان ضدّ الوجود الفرنسي والظلم الاجتماعي في صيدا، حين أخذ والده على عاتقه حراسة الطريق الممتدّ من صيدا إلى الناقورة، وخرج مع مجموعة منظّمة من الشباب يحرق ويكسّر الشاحنات التي تأخذ الجيش البريطاني إلى فلسطين، وينصب جسراً لتمرير المساعدات إلى المجاهدين الفلسطينيين.
بعد 86 عاماً من هذا النضال، يقول نجله أسامة: "نحن التقينا مع 17 تشرين على عناوين الحقوق الأساسية للّبنانيين التي طالما طالبنا بها منذ أعوام. كان معروف سعد يطالب بإلغاء الطائفية في النظام اللبناني منذ ستينيّات القرن الماضي، وبالعدالة الاجتماعية، ونحن أكملنا نهجه وكنّا جزءاً من الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت تطالب بتنفيذ برنامج الإصلاح الديموقراطي في لبنان".
يرفض بحزم إلصاق الفشل بانتفاضة 17 تشرين أو وصفها بأنّها "شغل سفارات أجنبية"، ويشير إلى أنّ "اتّهام انتفاضة 17 تشرين بأنّها صنيعة السفارات والدول هي محاولة من المنظومة السياسية لتبرئة نفسها والقول إنّها تعرّضت لمؤامرة خارجية". ويضيف: "كأنّ هؤلاء المرتكبين والمجرمين بحقّ شعبهم على مدى أعوام طويلة لا علاقة لهم بما يحدث، بل جاءت مؤامرة من الخارج وخرّبت البلد، وكأنّ البلد كان في أحسن حالاته".
يبرّر للمنتفضين تراخيهم وسط الانهيار المتعمّق، ويعيده إلى أنّ "للناس طاقة، فحين يُحاصَر الناس بلقمة عيشهم ودوائهم ومدّخراتهم وحليب أطفالهم لا بدّ من أن يتعبوا وتُشلّ حركتهم لأنّه لم يعد لديهم خيار فماذا يفعلون؟!".
وهنا انتقلنا إلى أسئلة مباشرة حول رؤيته السياسية حالياً، لربّما من الأفضل أن تكون وفق صيغة "سؤال/جواب":
* هل انتصر هذه الطبقة أو المنظومة على الانتفاضة؟
- مؤقّتاً، لكنّني أرى أنّ الوعي الذي نشأ بعد 17 تشرين لا يزال موجوداً.
* هل سبّب لك تلاقيك مع 17 تشرين إحراجاً مع أصدقائك مثل "حزب الله" والرئيس نبيه بري وآل الحريري؟
- لا، بالنسبة إليّ لا يوجد أيّ إحراج، ثمّ بعد 17 تشرين لم يعد يوجد أيّ تلاقٍ سياسي مع كلّ هذه الأطراف.
* حتى مع حزب الله؟
- كلّن.
* ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي شكّل رافعة في الانتخابات الأخيرة للائحتك؟
- كلّن.
* ماذا عن بهيّة الحريري وتيار المستقبل؟
- كلّن.
* التيار الوطني الحرّ؟
- كلّن.
* لكن زارك أخيراً وفد من التيار الوطني الحرّ ربّما ليبحث نسج تحالف انتخابي معك في الانتخابات المقبلة...
- وإن جاؤوا، لا أرفض لقاء أحد. أهلاً وسهلاً. وأخبرهم مواقفي.
* ألن تتحالف مع التيار الوطني الحرّ في الانتخابات المقبلة؟
- بالتأكيد لن أتحالف معهم.
* قطعت علاقاتك بالجميع؟
- لا، لكن لا يوجد تلاقٍ سياسي. أنا مختلف معهم حول السياسات الداخلية السائدة في البلد، وهم مسؤولون عنها. أنا أحمّلهم مسؤولية الخراب الذي حلّ بالبلد، فكيف أتلاقى معهم في خيارات سياسية؟
* ألا تلتقي مع "حزب الله" في موضوع المقاومة؟
- نحن في المقاومة قبل "حزب الله". لا يحدّثنا أحد في هذا الشأن لأنّ هذا الخيار مرتبط بكون المقاومة حقّاً للشعوب في مواجهة أيّ احتلال أو أيّ عدوان. ولذلك لا يقول لنا أحد إنّ المقاومة هي حقّ حصري لأحد. ليست المقاومة حقّاً حصرياً لأحد. نعم حصل خلاف مع الحزب في السياسات الداخلية، وهو جزء ممّن يتحمّلون مسؤولية ما جرى ويجري على اللبنانيين من مآسٍ.
المصدر | أساس ميديا
الرابط | https://tinyurl.com/5n8mv54t