خليل المتبولي: متى سينتهي هذا الفيلم الأميركي الطويل؟!
متى سينتهي هذا الفيلم الأميركي الطويل ، الذي أدمنّاه وما عدنا قادرين على الخروج منه ؟ أدمنّا مَشَاهِدَه وحواراته الدنيئة والسخيفة ، وكل تفاصيله الرديئة ، حتى أصبحنا نركض لاهثين مع ممثليه من موقع إلى آخر ، غير آبهين بالليل الخارجي أو بالنهار الداخلي ، هذان الداخلي والخارجي اللذان يلعبان بنا كيفما يشاءان وكما يحلو لهما مع بزوغ كل فجر . ملامح هذا الفيلم تشي كل دقيقة بل كل لحظة بمزاج سيئ سوداوي يحمل صوت الخراب والقهر والعذاب والألم . الرؤية الإخراجية تفتك بنا ، وتجعل مشاهداتنا موتًا ، وسقوطًا لحياة ضمن حقيقة محاصَرة ، لا مكان فيها إلّا للميّت الحي ، الذي بموته ماتت الإنسانية والقيم الأخلاقية .
كان ثمة استخفاف بعقول الناس ، عندما خرج علينا ممثل من هذا الفيلم الأميركي الطويل ببرودة أعصابه في أحد مشاهده ، وهو يبشّرنا بل ويتحفنا بأن البلد بخير والليرة بخير ، ولا خوف علينا ولا مَن يحزنون ، وأننا بأمان . أين الأمان يا عزيزي ؟ ونحن اليوم يخاف بعضنا من البعض الآخر . بدأ واحدنا يأكل الآخر وينهش لحمه ، نحن نعيش المشاهدة في الخوف والحزن بأوقاتٍ متواصلة ، خوف من المستقبل، ومن القهر، ومن الألم ، ومن المجهول ، ومن الخطر ، ومن العدو الداخلي والخارجي ، لَبِسَنا الخوف وتملّكنا ، وحلّت المصيبة فوق رؤوسنا ، نتيجة هذا الخوف اعترانا الحزن العميق ، والحزن المستدام ، ممثلنا العظيم أين مما بشّرتنا به أنّ لا خوف علينا ولا مَن يحزنون ؟ هذا الحوار أنتَ ابتدعته أم أنّ المخرج والسيناريست لهذا الفيلم الأميركي هما مَن لقنّاك هذا الحوار الكاذب ؟ وهما مَن جعلا منك ممثلًا قديرًا ، متحكّمًا بتفاصيل المَشاهِد والحوارات؟
اليوم ، ماعاد أحد منّا يشك أنّك الممثل الوحيد في هذا الفيلم ، إنما هناك منظومة متكاملة من الممثلين المحلييّن والدوليين، أدّت أدوارًا هدّامة ، وفتكت بقيم العرض، وأساءت إلى الإنتاج، وشوّهت صور الكاميرات ، وشوّشت الإرسال.
نبكي اليوم على حالنا وعلى البلد، لأننا نشاهد رهطًا غريبًا بتصرفاتهم، إنما هم ليسوا بغرباء، رهط من الرعاع واللصوص الممثلين، هجموا على مدّخراتنا ، ونهبوها ، وأفلسونا ، واستباح كلّ بدوره وبالمساحة المعطاة له في الفيلم طموحاتنا وأحلامنا ، وعاثوا في البلد خراباً ، ودمّروا كل ما استطاعوا تدميره ، ونهبوا كلّ شيء ، وأصبح البلد مغارة وهم وحوش بشرية.
إنه فيلم أميركي طويل، يعاد كل مدّة بأشكال وصور مختلفة ، إنما برؤية إخراجية واحدة ، متفلتة من الحس والذوق الفني والإنساني ، بعيدًا عن الضمير العالمي ...
متى سينتهي هذا الفيلم الأميركي الطويل ؟!
بقلم| : خليل إبراهيم المتبولي - صيدا