صيدا سيتي

بقلم إيمان حنينة - خاص صيدا سيتي:
مشاغلنا تحدّد فكرنا وثقافتنا، وإذا كانت صيدا قد شغلت من منتصف القرن الماضي بالقضية الفلسطينية وتحملت في كثير من المواقف أعباء المتاجرين بها، إلا أنها قد خطّت شعبيًا وحزبيًا صفحات جهاد ومقاومة.
في حين أنّ تحولات وتبدلات أنتجت جيلاً قد لا يعرف ما حصل في تاريخ ميلاده سنة 1982، أو يجهل أحداث يوم احتجزته في مدرسته قوات عميلة وأبكته ساعات حتى ذبلت وردة أمه بين يديه.
وقد رافق ذلك ولع بالمظاهر ورضى بالذل، ولعلعت في الأجواء أبواق المذهبية ، تنادي بالثارات المضادة وقد زوّدت الصيداويين بحشد وافر من ألفاظ التخوين والردّة .
ومنعًا للالتباس، فإن الزعماء السياسيين "أرقى" من أن ينزلوا إلى هذا المستوى، وما خطابهم إلا دليل قاطع على شدّة وعيهم وإنحداره عند عامّة الشعب!
هذا الأخير وجد في النرجيلة ضالته، حتى صارت صيدا مقصدًا للأشقاء العرب والأجانب من مواطنين ورسميين تغطيهم سحابة بيضاء وتغرقهم في وهم ضبابيّ، فيتناسون هجرة أبنائهم المستمرة ويغضون الطرف عن معلَم بيئي ينافس زهر الليمون عند هبوب رياح الخماسين، ويتجاهلون انتشارًا مخيفًا للمخدرات وتوابعها بين الناشئة والشباب، ويسكتون عن جمعيات اشرأبت في المناطق والمؤسسات التربوية،توسوس بالسلام وترشّ عملاتها يمينًا وشمالاً في الأحياء والأزقة الفقيرة وتستغلّ تقصير المؤسسة الرسمية في تأمين قطرة ماء أو كسرة خبز أو قلم حبر "لا رصاص"، فالمطلوب هو أن ننزع الأظافر منذ الولادة.
ولقد أحب أولو الأمر أن يختبروا صبر الصيداويين، فتكدّست النفايات على الأبواب وصار الهمّ في "الزبالة" وبتنا مشغولين بمراجعة فلان والتفكير بالتحرّك من أجل رفع الأذى عن مداخل البنايات ومن أمام المؤسسات الطبية، ويستغرب بعض العقلاء من الظرفاء حالة الهرج والمرج، فمن تخطّى ربع قرن في مجاورة جبل النفايات فلن يغصّ بربىً موزّعة هنا وهناك.
وإذا تبرأ أهل السياسة من التهم السابقة فإنّ هذه التهمة متعلقة بأذيالهم جميعًا ودون استثناء، فكلّ من وطأت قدمه أرض برلمان أو مركز بلديّ سابقًا وحاليًا هو مسؤول عن انحدار هموم المجتمع الصيداويّ، اللهمّ إلا إذا كانت الأهداف طبية بحتة وتكمن في دعم أطباء الأمراض الصدرية والجرثومية، فتلك أهداف نبيلة لكن لا تلوموا أمًا رفعت يديها تدعو ربّ السماء عند إصابة فلذة كبدها بمرض صدريّ عضال...