الشهاب: الجامعة العربية هي المرجع الصالح لجمع الشمل والتوفيق وحفظ الكرامة!

لو رجعنا إلى التاريخ نستعرض مواكب العالم وهي تمرّ تباعاً على مسرحه العام، خلال العصور كلها قديمها ووسيطها وحديثها ومعاصرها، لوقفنا من ذلك على نتيجة حتميَّة واحدة، هي أن الأمة العربية في تاريخها الطويل بدع بين الأمم جميعها، إذ أنها على إشتراكها معها في كثير من الملامح والقسمات والحقائق والسمات، تبقى متميزة عنها، بما لم تعرفه أمة من تلك الأمم، التي عرفها التاريخ وخبرها وسجل لها مآتيها وأمجادها!
و أما ما تساوت به أمتنا مع شتىَّ الأمم، أنها سارت في تطورها المديد، في نفس الطريق الذي سارت فيه أمم العالم كلها، ذلك في إنتقالها من دور الطفولة إلى طور الشباب ومن عهد الكهولة إلى أيام الشيخوخة (حيث يرَّد الحيَّ إلى أرذل العمر) ما اختلفت فيه جميعها، وأن الموت لم يستطع أن ينال من حيوتها فيقضي عليها كما فعل مع جميع من عرفنا من أمم القرون القديمة، والعصور الوسطى والتي أناخ عليها جميعها بكلكله وطواها في ظلماته، ولم يترك ما يدل عليها سوى أثار خلفتها في سجل الحضارة العام، وإذا ما قدرَّ للبعض منها أن يخرج من بين الأكفان ليُبعث من جديد، فقد تم له ذلك على صورة جديدة مغايرة لحقيقتها السابقة حرم معها من المقومات الأصيلة كاللغة والثقافة فحيل بينه وبين الإستمرار أو الإنبعاث في خط سيره السابق؟
فأين أمة الفراعنة؟ وأين أمم الشرق القديم؟ من البابليين والأشوريين والفينيقيين والإغريقيين؟ بل أين أمم الأكاسرة والقياصرة؟ فهل بقي منها إلا ما خلفتَّه في سجل الحضارة من علم وفن وفلسفة وأدب. أما لغاتها وأديانها فقدت كلها أثراً أبعد عين؟.
أما أمتنا نحن، فمع ما خلفته في القرون القديمة عامة وفي القرون الوسطى من تاريخها خاصة من روائع الأدب، ومآتي العلم، وآيات الفن، فإنها قد بقيت قائمة تغالب عناصر الفناء! وتواكب أسباب البقاء! حتى إنتصرت بعد أن دبَّ في عروقها شيء من البُعد؟ وخيم على أقطارها أحداث مؤلمة؟ وشد على عنقها الألم؟ وإذا بها بعد قرون عانت فيها من قسوة الشيخوخة ما عانت؟ نراها وقد نفضت عنها الماضي البعيد، وقامت تستَّرد أسباب الحياة والقوة، وهي أشد ما تكون إعتزازاً بلغتها! وأمجادها! وأقوى ما تكون إقبالاً على الحياة الجديدة وأسبابها لتأخذ مكانها بين الأمم، وتحتَّل الصدارة فتؤدي رسالتها الخالدة! رسالة الحق، والخير والسلام!
هذه هي الجامعة العربية مع إستمرار أعمالها! وإني لأتحدَّى العالم كلَّه أن يتجرأ أحد فيه على أن يخطئني في نظرتي هذه، وتقريري لهذه الحقيقة وقد صحَّ فينا قول القرآن الكريم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)!
فهنيئاً لك أيها العربي بالجامعة العربية! إذ يحق لك أن تزهو وتفخر! وأنت تدرك ما كان بالأمس لأمتك من شأن بين الأمم! لم يكن لغيرها منه إلاَّ القليل وتعي ما لها الآن من حظ لا تشاركها منه أمة أخرى مهما علا كعبها في العلم!
إنها الجامعة العربية (الساعيّة دوماً لجمع الشمل و التوفيق العربي و هي تقدم العون و المساعدات للجميع في الأيام الصعبة و في الظروف الحرجة والمؤلمة و تبذل أقصى جهدها في حماية و نصرة الشعوب العربية من كل إعتداء خارجي و خلافات و سجالات داخلية) تلك الحقيقة السرمديَّة التي تجعلنا نتبينها واضحة جلية.
فعلى كل عربي بل على كل الدول العربية أن تقدَّر قيمة وجودها في الجامعة العربية وتعي حقيقة مكانتها والحفاظ عليها والإبتهال إلى العناية الإلهية بدرء كل شرَّ عنها والمد في إستمرار حياتها الغالية حتى يتسنى - لنا - بما تصبو إليه نفوسنا في أوطاننا من أمن، و أمان، و سلام، و ثقة، و اطمئنان، وتآخي عربي مشترك، و عيش كريم على الدوام.
@ المصدر/ بقلم المربي الأستاذ منح شهاب - صيدا