الشهاب: صديقي و(الشخص الثالث)؟

كلنا يعرف قيمة الصداقة، وما تدخَّره من مباهج ومسّرات للروح وما تجود به علينا أحياناً كثيرة من فوائد مادية، لكن القليلين منَّا يعرفون كيف يرعون حرمة الصداقة، ويصونون رواءها ويعملون على إزدهارها ويحفظونها من التلف.
الصداقة في عُرف بعض الناس ترث مع الزمن؟ بدلاً من أن تقوى كالنبتة الصالحة في تربة صالحة، يتعهدها بستاني قدير!.
تدخل - أنت - و.. شخصاً غريباً أو شبه غريب على صديق لك، فيخصَّ بالحفاوة الشخص الغريب، ويحوطه بالإكرام، فأنت من أهل البيت، فالكلفة مرفوعة بينك وبين صديقك، لا داعي للتحية بحرارة والعناق الشديد والقبل الكثيرة؟ والإهتمام بك كما هي الحالة مع الشخص الغريب!
وقد يمتد هذا التصرف إلى زوج صديقك وأسرته، فتشعر أنت وكأنك كمية مهملة! ومهمَّا بلغ منك التسامح فلا بد أن تحسَّ في نفسك شيئاً من الخجل أمام الشخص الثالث - وربمَّا - الذي زعمت أنت له أنك ذاهب به لزيارة أعز صديق؟
وأكثر البعض ملول بالطبع يسأم الوجوه والأشياء التي يألفها ويتعود معاشرتها... فهو صياد يحب أن يقنص جديداً كل يوم والصداقة لديه طريدة سمينة تستحق القنص؟ لكنه ما أن يضعها في جعبته، حتى يخيّل إليه أنه إمتلكها. وبات عليه أن يسعى إلى طراد جديد؟
أمثال هذا الصياد يسيئون فهم الصداقة ويقتلونها بأيديهم، بينما هي طائر نادر جميل يجب أن يمسك بكثير من اللباقة والذكاء، وأن يحبس في قفص من ذهب، ويعامل بالرفق والرقة والحنان!
أعرف - سياسياً - إشتهر بإهمال أصدقائه، وبذل العناية للمحايدين والخصوم، وكانت حجته أن الأصدقاء مضمون ولاؤهم، فلا يمكن أن يتنكروا له أو ينتقضوا عليه، بينما هو في حاجة إلى التغلب على فتور المحايدين، وعلى شراسة الخصوم، فمتى إسترضى هؤلاء وأولئك ضمن ولاء الجميع، لكنه كان في كثير من الأحيان، يخسر الأصدقاء القدماء، دون أن ينجح في ربح الخصوم؟
وإذا ابتأس الصديق وغمرت قلبه المرارة تولاه القنوط، ولم يكن من ذوي الطبائع الثابتة والمبادئ الراسخة و(هؤلاء قلة تكاد لا تذكر في مجتمعنا) حيث ينقلب الصديق خصماً، وأنه لخصم خطير مخوف بما يعرف عن صديقه من أسرار، وما في الأسرار من نواحي ضعف وإستخذاء، وكم من صداقة كان يشار إليها بالبنان، تحولت إلى عداوة صارخة، فأفرحت الحساد؟ وعادت على الأصدقاء بعد طول المودة والوفاق بأوغم العواقب؟
نعم! أيها الرفاق! سئل - يوماً - أبو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية كيف سقطت الدولة الأموية فقال: أهمل الأمويون أصدقائهم، وقربوا أعداءهم، فغضب الأصدقاء، ولم يخلص لهم الأعداء، فخسروا الفريقين على السواء.
@ المصدر/ بقلم المربي الأستاذ منح شهاب - صيدا