الإشارة الحمراء في صيدا ساحة استغلال
بقلم وليد العاصي:
تتزايد أعداد المتسوّلين في شوارع صيدا بشكل لافت، حتى باتت هذه الظاهرة مشهدًا يوميًا مألوفًا: أطفال ونساء يلاحقون السيارات عند الإشارات، يطرقون النوافذ، “ينظّفون” الزجاج دون طلب، أو يعرضون كيس محارم ورقية أو قنينة مياه صغيرة تحت شمس حارقة. ظاهرة لم تعد مجرّد إزعاج عابر، بل تحوّلت إلى جريمة موصوفة بحق المدينة وسكّانها.
وعند السؤال عن مصدر هؤلاء المتسوّلين، تتعدّد الروايات، لكن القاسم المشترك بينها أنهم ضحايا استغلال منظّم. فمعظمهم لا يأتون بشكل عفوي، بل يُنقلون يوميًا من مناطق مجاورة، وغالبًا ما يكون الميسّر أحد أقاربهم، يزرعهم عند نقاط معيّنة، ثم يتولّى “الجني” آخر النهار. كل ذلك يحصل على مرأى من القوى المعنية، التي تعرف أماكنهم وأسماء المشغّلين، لكنها لا تتدخل، إمّا بحجّة غياب الصلاحيات، أو بسبب غطاء سياسي يوفّر الحماية لهذا النشاط المشبوه.
القانون اللبناني واضح في هذا المجال، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بالقاصرين. فاستغلال الأطفال في التسوّل يُعدّ جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، ومع ذلك، يبقى التنفيذ غائبًا، وكأننا أمام تواطؤ جماعي، أو على الأقل، إهمال متمادٍ لا يمكن تبريره. المشكلة ليست في غياب النصوص، بل في غياب الإرادة السياسية والتنسيق بين الجهات المعنية.
ولأن السكوت لم يعد مقبولًا، فإن البداية لمعالجة هذا الملف يجب أن تكون من خلال إعداد تقرير ميداني دقيق، يتضمّن أسماء المتسوّلين، أماكن سكنهم، الجهات التي تستغلّهم، وشبكات الحماية التي تمنع محاسبتهم. بعد ذلك، لا بدّ من تقديم إخبار علني إلى النيابة العامة بجرم استغلال القاصرين في التسوّل، وتسمية الجهات المتورّطة بالتغطية، إن وُجدت.
لا يمكن لمدينة مثل صيدا أن ترفع شعار الكرامة وهي تتجاهل أطفالًا تُسرق طفولتهم كلّ يوم على قارعة الطريق. لقد حان الوقت لنقل هذا الملف من خانة “الظاهرة الاجتماعية” إلى خانة “الجريمة المنظّمة”، ولتكن هذه بداية معركة جدّية ضد مافيا التسوّل التي تختبئ خلف العوز، لكنها تتغذّى من السكوت.