صيدا سيتي

العطاء الإلهي: اختبار القلوب وميزان النفوس

إعداد: إبراهيم الخطيب - الثلاثاء 11 آذار 2025
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload

إن العطاء من الله بحرٌ متلاطم الأمواج، ترفعه رياح الحكمة، وتُسيّره أقدار الامتحان، فليس كل عطاء تكريمًا، ولا كل حرمان تقصيرًا، بل هو ابتلاء في ثوب المنح، وامتحان يميز بين القلوب، فمنهم من يسمو، ومنهم من يهوى، ومنهم من يتيه بين بريق النعمة وظلمة الغفلة.

1- الشاكرون الواعون: أصحاب البصيرة النافذة

هم من أدركوا أن العطاء أمانةٌ، وأن النعمة ظلٌّ زائل، لا تدوم إلا بالشكر، ولا تزكو إلا بالإحسان. جعلوا أيديهم بواباتٍ للخير، وألسنتهم منابرَ للحمد، وقلوبهم سكنًا للرضا، فكان شكرهم عملاً لا قولاً، وإحسانًا لا ادعاءً. لم يزدد مالهم إلا سخاءً، ولم يزدد جاههم إلا تواضعًا، ولم يزدد علمهم إلا توجيهًا للحق والخير، فبارك الله لهم في العطاء، وأورثهم من النعم ما لا يُعدّ ولا يُحصى.

2- المتكبرون المغرورون: ضحايا الغرور والنسيان

سَكِروا بنعمةٍ زائفةٍ، فظنوا أنهم بها خالدون، وتوهموا أن ما أوتوا هو نتاج عقولهم وسواعدهم، فتعاظمت نفوسهم حتى حجبتهم عن رؤية الحقيقة، فانطلقوا بين الناس استعلاءً، وأعرضوا عن الحكمة استخفافًا. حتى إذا ما دارت عليهم رحى الأيام، واشتدت بهم الخطوب، وجدوا أنفسهم فرادى، لا ناصر لهم ولا معين، فزلزلتهم الأقدار، وبدّدت أحلامهم كأن لم تكن.

3- الجاحدون الناقمون: أصحاب القلوب المعتمة

هؤلاء أُغدق عليهم من النعم، لكنهم لم يُبصروا إلا العوز، ولم ينظروا إلا إلى ما ينقصهم، فأظلمت قلوبهم بالسخط، وانطمست بصائرهم بالجحود. لا يسعدون بما أُعطوا، ولا يشكرون على ما امتُحنوا به، يَرون الخير في أيدي غيرهم، ويرون البلاء في كل ما لديهم، فأصبحوا في عيشٍ ضنك، وإن وسّعت عليهم الأقدار، فحُرموا بركة العطاء، وعاشوا في قلقٍ لا يهدأ، وحسرةٍ لا تنقضي.

4- المسرفون المفسدون: حين تكون النعمة وبالًا

منحهم الله من فضله، فجعلوا عطاياه وقودًا للهوى، وميدانًا للفساد، فأسرفوا بلا وعي، وتباهوا بلا إدراك، حتى أغرقوا أنفسهم في ملذاتٍ زائلة، وأحاطت بهم لعنات الغفلة. لم يدركوا أن النعمة زائلة إن لم تُحفظ، وأنها حين تُستغل في غير موضعها، تتحوّل إلى نقمةٍ تفتك بصاحبها قبل أن يفطن لحقيقتها. فساءت خاتمتهم، وذهب عنهم البريق الذي خدعهم، وما بقي منهم إلا ذكرى تُتلى على أسماع المعتبرين.

5- المتزهدون الغافلون: حين يضيع الخير بسبب سوء الفهم

اعتزلوا النعمة لا زهدًا، بل عجزًا عن فهم مقاصدها، ورأوا في البعد عنها قُربى، مع أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده. فابتعدوا عن العطاء، ولم يسعوا إلى تسخيره في الخير، فتاهوا بين خوفٍ غير مبرر، وقصورٍ في الفهم، فكان زهدهم حرمانًا، لا تقوى، وخسارة، لا ورعًا. ولو أدركوا أن الزهد الحقّ هو استعمال النعمة فيما يرضي الله، لا رفضها، لكانوا من الناجين.

6- المتصدقون المصلحون: الذين جعلوا النعمة طريقًا للبر

أما هؤلاء، فقد جعلوا من العطاء ميدانًا للإصلاح، وحوّلوا النعمة إلى نورٍ يضيء ظلمات البؤس، فكان مالهم للضعفاء سندًا، وعلمهم للأمة مشعلًا، وجاههم للمظلومين درعًا. لم يأسرهم العطاء، بل أسروه في خدمة الحق، فكانوا أعمدةً للبذل، وجسورًا للعطاء، حتى كُتبت أسماؤهم في سجلّ أهل البر والخير، فحُفظ ذكرهم، ودامت بركة أعمالهم، لأنهم أدركوا أن النعمة مسؤولية قبل أن تكون متعة، وأن البذل أعظم لذةٍ من الأخذ.

العطاء بين الامتحان والمصير

ليس كل من أوتي نعمةً قد كُرّم، ولا كل من مُنع قد أُهين، وإنما هي أقدارٌ تمتحن، وحكمٌ تتجلى، فمن شكر فاز، ومن كفر هلك، ومن أسرف ابتُلي، ومن أصلح نال البركة.

"لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم: 7).

فيا أيها الإنسان، كن من الشاكرين، ولا تكن من الجاحدين، فالعطاء ميزان، والشكر مفتاح، والسعيد من وعى الحكمة قبل فوات الأوان.

إعداد: إبراهيم الخطيب 


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 993449048
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2025 جميع الحقوق محفوظة