المسحراتي .. نجم رمضان الذي لا يأفل!
ارتبط اسمه بشهر رمضان المبارك، يلازم لياليه متنقلاً بين حيٍّ وآخر، وشارعٍ وآخر، منبهاً النائمين إلى السحور.
هو نجم رمضان الذي لا يأفل، مهما زاحمته التكنولوجيا من هواتف ذكية ووسائل تنبيه وإيقاظ إلكترونية، فحتى بوجودها يبقى للمسحراتي دورٌ ومهمةٌ ومكانةٌ في رمضان.
وعلى الرغم من تراجع عدد المسحراتية الذين توارثوا المهنة أباً عن جد، أو تماهوا معها حتى باتت تلازم أسماءهم أو أسماء عائلاتهم، لا يزال المسحراتي في مدينة صيدا (جنوب لبنان) جزءاً من المشهد الرمضاني الليلي، خاصةً في المدينة القديمة، التي بقيت تحتفظ بروحية وتراث الشهر المبارك، حيث تتألق مساجدها وساحاتها ومعالمها التراثية ومقاهيها وحاراتها وبيوتها بزينة وأضواء وبهجة الشهر الكريم.
مرتدياً زيَّه التقليدي، ممسكاً بطبلة صغيرة ينقر عليها بأداةٍ حديدية أو خشبية، ليتردد صوتها في فراغات الأزقة والزواريب المقنطرة، يواظب المسحراتي عباس قطيش على مهنة المسحراتي التي عرفها منذ ربيع عمره. وعلى إيقاع طبلته، مردداً عبارته الشهيرة: "إصحَ يا نايم، وحِّد الدايم، رمضان كريم"، تبدأ فترة السحور، حيث يوقظ النائمين، ويواكب الساهرين في الأحياء والساحات والمقاهي، فيحترمه الكبار ويمازحونه، ويحبّه الصغار فيرافقونه حيثما تنقّل.
هو واحدٌ ممّن تبقّوا أو أكملوا مسيرة الرعيل الأول من مسحراتيّة صيدا. وقد بدأ عهده بهذه المهنة حين كان في العقد الثاني من عمره، إذ كان يرافق من سبقه إليها، ثم بقي يواظب عليها سنةً تلو أخرى، حتى ذاع صيته وأصبح يُطلب في المناسبات الرمضانية، مثل احتفاليات استقبال شهر رمضان، وحفلات الإفطار والسحور، إلى جانب جولته اليومية في كل ليلةٍ من ليالي الشهر المبارك. لا يثنيه برد الشتاء ولا مطره، ولا حرّ الصيف (إذا صودف رمضان في أيٍّ منهما) عن إكمال مهمته سيراً على الأقدام!
يقول عباس: "أعمل بهذه المهنة منذ 35 عاماً. وأنطلق في جولتي كل يومٍ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أتنقل داخل أزقة وحارات صيدا القديمة، أوقظ النائمين إلى السحور، وأناديهم إمّا بأسمائهم – فقد أصبحت أعرف معظمهم ويعرفونني – أو بأسماء عائلاتهم، أو بمناداتهم بشكلٍ عام: "يا مؤمنين، وحِّدوا الله... يا صائمين، وحِّدوا الله... قوموا إلى طاعة الله... يرحمنا ويرحمكم الله... رمضان كريم... اصحَ يا نايم، وحِّد الدايم... رمضان كريم".
وعن مدى تفاعل الناس معه، يقول قطيش: "لا يزال الناس يقدّرون مهنة المسحراتي ودوره، والدليل أنهم يتجاوبون معي عند إيقاظهم للسحور، وبعض الساهرين يرددون ما أقوله انسجاماً وتفاعلاً، خاصةً في المقاهي والساحات التراثية، كما أن بعضهم، ولا سيما الأطفال، يحبّونني ويسارعون لمرافقتي والتقاط الصور معي".
ويضيف: "رغم تطور الحياة ودخول التكنولوجيا إلى كل شيءٍ فيها، لا يزال للمسحراتي حضوره ودوره في شهر رمضان، لأنه جزءٌ من تراث المدينة وذاكرتها".
ويشير قطيش إلى أنه قد يُدعى أو يُطلب منه تقديم فقرة المسحر في نشاطٍ تراثي أو رمضاني هنا أو هناك، قبل أن يحين موعد جولته الليلية!.