الشيخ ماهر حمود: بدر ليست من التاريخ
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة
عند استذكار غزوة بدر الكبرى ينبغي ان نؤكد انها ليست من التاريخ ، بل انها جزء من حاضرنا، ومن مستقبلنا، فهي اولاً جزء من القرآن الكريم لا يمر عليه الزمن، كما ان كل معركة وكل منازلة مع الاعداء تذكرنا بمبادئ النصر التي لا تتغير.
فما هي هذه الدروس:
اولاً: النصر من عند الله، هو الذي يهيء اسباب النصر ويسخر مخلوقاته ليتم امره.
ثانياً: الدخول في التفاصيل يعطي فكرة ادق عن كيفية تنفيذ القدر الالهي ، فان الله تعالى هيأ الظروف كلها:
أ- مكان المعركة: قال تعالى (... وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الانفال – 42)، هيأ الله تعالى مكان المعركة بعد ان فرت قافلة قريش ، وكان يمكن للمعركة ألا تحصل ولكن الله يريدها ليؤكد احقية هذا الدين وعلّوه ومواجهة الشرك والمشركين.
ب- النوم: كان النوم عطاءً ربانيا ، نام الصحابة ومعهم سيد الانام صلى الله عليه وسلم ولم يوقظهم الا حر الشمس، وكان النوم هدية من الرحمن ليقوموا اقوياء قادرين على النزال (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ...) (الانفال - 11)، فيما ان المشركين سهروا حتى الفجر يشربون الخمر ويرقصون ويغنون فقاموا متعبين.
ت- المطر: هطل المطر لجهة المسلمين ولم يهطل لجهة الشمركين، فتشرّب الرمل الماء واصبح العَدْو على الرمل اسهل للمسلمين (... وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ( (الانفال – 11).
ث- احتساب عدد الاعداء: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين في المنام قلة فاستبشر المسلمون، ورأى المشركون المسلمين قلة فاستخفوا بهم، ولكن عند المواجهة ظهر لهم وكأن المسلمين هم ضعف العدد الحقيقي لتصيبهم الرهبة من عددهم (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ ...) (الانفال – 43)، (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)) (الانفال - 44)، (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ) (آل عمران - 13).
ج- المنازلة بين عتبة وشيبة ابنيْ ربيعة والوليد بن عتبة من جهة، وحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث من جهة اخرى، منازلة سبقت المواجهة لتزيد من معنويات المسلمين (هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) (الحج - 19).
ح- الملائكة: شاركت الملائكة في القتال واستبشر المسلمون بذلك، وان كان الفقهاء والمفسرون في هذا الامر على رأيين ، رأي يؤكد مشاركة الملائكة بالقتال ، ورأي يأخذ بظاهر الآية (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ؛(آل عمران - 126)، اي ان الملائكة كان دورها اعطاء المعنويات للمسلمين وليس مباشرة القتال، والله اعلم.
ثالثاً: يجب ان يقدم المسلمون شروط النصر، ومنها الاعداد، والصبر، واليقين والتقوى (بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران - 125)، وهذا ما قدمه المسلمون في معركة بدر، وقدر الله تعالى بقية الامور ، واليوم في طوفان الاقصى نرى ان شروط النصر تحققت جميعها، وفق ما نراه، فنرجو الله ان يمدنا بالنصر المؤزر المبين.
رابعاً: سيبقى فريق ضعيف يشكك او يحاول التهرب من المعركة (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) (الانفال - 5)، ولكن القادة واصحاب الرأي كانوا مع القتال وفي اتم الاستعداد لتنفيذ اوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.
نستفيد من هذا ليومنا هذا، فلا ينبغي ان نتوقف كثيراً عند الذين يشككون في جدوى المقاومة في لبنان او يفشتون بكل قواهم عن ثغرة او خطأ للمقاومة في فلسطين، فالطريق واضح ونحن على الطريق الصحيح باذن الله.