مع غزّة: لمى سخنيني

مع غزّة: لمى سخنيني

02 مارس 2024
لمى سخنيني
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "إضافة إلى الحرب العسكرية الشرسة، نواجِه حرباً إعلامية وثقافية أشرس"، تقول الكاتبة والمترجمة لمى سخنيني لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكٍ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- الهاجس الذي يشغلني هو وضع شعبنا المشرّد في العراء والخيام، في أوضاع صحّية ونفسية لا يمكن لبشر أن يتحمّلها، ويقلقني تأثير كلّ هذا الدمار والألم على الأجيال القادمة لكلّ الشعب الفلسطيني، في كلّ أماكن وجوده، في الوطن المحاصَر تحت الاحتلال وفي الشتات، فالذي يجري في فلسطين نكأ جروحًا قديمة كان العالم قد تغاضى عنها، وكنّا قد تحملّناها على مضض وإكراه، فقد عانى شعبي من ذلك مرّات عدّة، والذي يقرع ذاكرتي الآن وبقوّة، الخروج الكبير من بيروت، وما كان لذلك من تأثير مفجع وكارثي على الشعب الأعزل الذي بقي في المخيّمات.

■ كيف أثّر العدوان على حياتكِ اليومية والإبداعية؟

- عندما أتعرّض للألم أو الضغط النفسي الشديد، وهذا ما قد حصل معي في الأيام الكثيرة السابقة - ذلك الشعور الشديد بالفقد واليتم - أصمتُ ولا أستطيع الكتابة، أعني الكتابة الإبداعية، فأنا أعاني من البرد النفسي، وكأنّني في قبر موحش، وأخاف أن يخرج كلُّ ما أكتبه ممزّقًا وباردًا. لذلك، ألجأ إلى الله سبحانه وإلى القرآن والنصوص الصوفية والدعاء، ذلك من شأنه أنّ يُهدّئ من روحي التي صارت في حالة اغتراب وعزلة... وقد أفقد الاتزان ما بين روحي وقلبي، ولذلك لجأتُ إلى الرسم البسيط والتصميم الإلكتروني، وهذه الكلمات هنا هي أوّل ما أكتبه منذ بدء الحرب على غزّة.


■ إلى أيّ درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- العمل الإبداعي دائمًا، وفي كلّ الظروف، فعّال في إيصال أيّ قضية إلى الرأي العام، وخصوصًا في هذه الأيام، عن طريق منصّات التواصل الاجتماعي، ولكن من غير تكلّف أو تجارة حتى لا يفقدَ الرسالة التي أُنشئ من أجلها. أصواتنا يجب أن تحافظ على وضوحها وصدقها، ويكون هدفنا إيصال قضيتنا العادلة إلى أوسع شريحة من الناس وأن نجعلهم يشعرون بمعنى أن يكون شعبٌ كاملٌ تحت الاحتلال، وبحجم معاناة ذلك الشعب. فبالإضافة إلى الحرب العسكرية الشرسة التي يواجهها شعبي، نواجِه حربًا إعلامية وثقافية أشرس، لطمس التراث والثقافة والهوية الفلسطينية، فهذا لا يمكن مواجهته إلّا بصوت قويّ مواجه، ودراسات تأريخية واجتماعية وأدبية رزينة.

العمل الإبداعي فعّال دائماً في إيصال أيّ قضية إلى الرأي العام

■ لو قُيّض لكٍ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- لم أُصبح كاتبة ولا روائية إلّا منذ سنين قليلة مضت، فقد بدأتُ حياتي ما بين أجنحة كلّيات العلوم ومختبراتها العلمية، وتدرّجت إلى أن وصلت إلى درجات علمية عالية كأستاذة في الفيزياء الطبّية، بين الجامعة والمستشفيات. ولكن، وعلى الرغم من كلّ تلك النجاحات، بقيت أشعر بالغربة، فكنت دائمة البحث عن منزل يؤوي تلك الروح الهائمة، بدأت بالاقتراب من الصوفية، ووجدت لنفسي مأوى بين تلك النصوص، وكأنّني قد خبرتها منذ بدء الخليقة، وكان الإبداع الفنّي والأدبي (رواية وقصّة وترجمة) ملجئي. وتدريجيًا، تخلّيتُ عن التدريس والبحث العلمي، وأنشأت دارًا للنشر، مشجّعة مبدعين آخرين، لترى أعين القرّاء أعمالهم. فلا أرى لحياتي منحى آخر غير ذلك الذي سلكته، وإن لم أكن فيزيائية وكاتبة وفنّانة، لاخترتُ أن أكون كذلك، فذلك التدرّج والتنوّع هو ما أغنى نفسي وأوصلها إلى هذه الدرجة من الإبداع. فأنا أرى أنّ كلّ ما أعمله ينطوي تحت العمل النضالي والإنساني، ولكن لا يمكن أبدًا أن أكون سياسية، فأنا لا أملك الملكة اللازمة للكذب والمراوغة. 

الصورة
إيقاعات الزمن

■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- أوّلًا أن يجد شعبي الحرية، فقد دفع ثمنًا غاليًا مقابلها، ما بين الشهادة والسجن والاغتراب. لكنّني أرى أنّ القادم على هذا الكوكب سيكون فظيعًا ما بين حروب وكوارث بيئية، فقد أُطلقت الشياطين. ولكن أمنيتي أن نرجع إلى الأصول الروحية للدين، فنحن في حاجة للتواصل مع الله، السلام المهيمن، وأن نُقدّس الحياة التي منحنا، حتى ترجع إلى قلوبنا السكينة التي فُطرنا عليها. أريد لهذا العالم أن يكون مكانًا أفضل لأولادي وأحفادي.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟

- يوحنا المعمدان (النبي يحيى ابن زكريا عليهما السلام)، الصوت المنادي في البرية، الثائر على أباطرة روما، وأقول له: خذني معك في رحلة البحث عن التوبة، واغسل عنّي ذنوبي في مياه النهر المقدّسة.

أنتظر أن يجد شعبي الحرية، فقد دفع ثمناً غالياً مقابلها


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- أخجل من نفسي إن نظرت إلى وجهي الميت في المرآة صباحًا، وأنا مسربلة بضعفي، أخجل من نفسي أن أقول أيّ كلمة في مقابل حرب الابادة ونهر الشهادة، غير الدعاء لكم، فربّكم أرحم بكم من خلقه. 


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- أنت أخي وإن لم تكن من دمي، فهمّنا واحد، وقضيتنا واحدة، فاسند كتفي.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع، التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت: "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- كنت أتمنّى أن تنعمي بطفولتك وبراءتك على الرغم من كلّ الألم، وألّا تكبري قبل الأوان، ولكنّك اختبرت عالم الكبار الظالم قبل الأوان. سامحيني إن أكلتُ وأنت جائعة، سامحيني إن نمت في سريري الدافئ وأنت في برد العراء، سامحيني بنيّتي، لو كان بيدي لأخذتك في حضني.



بطاقة

كاتبة ومترجمة حاصلة على دكتوراه في الفيزياء من "جامعة شمال ويلز" البريطانية عام 1994. بعد عشرين عامًا من العمل الأكاديمي، أسّست في 2019 دار "العائدون للنشر والتوزيع" في عمّان. لها مجموعة قصصية بعنوان "تنويعات على وتر منفرد" (2013)، وثلاث روايات: "دير اللوز تكسر أصفادها وتعانق الحلم" (2014)، و"زائر الأبدية المنسي" (2016)، و"هكذا صرتُ ملاكًا" (2019)، وكتاب "أنت والنرجسي، دراسة وشهادات" (2023).  كما ترجمت "مولانا جلال الدين الرومي: القصائد المحرمة"، (2017)، و"جوهر الرومي، جون بالدوك" (دراسات عن جلال الدين الرومي ومختارات من شعره/ 2018)، و"مولانا جلال الدين الرومي: 53 سرًا من حانة العشاق" (2020)، و"جوهر الصوفية، جون بالدوك" دراسات عن الصوفية (2020)، و"قصائد للحب والحياة في أفق الموت" (قصائد مختارة للشاعرة لويز غليك 2020)،  "حديقة ورود من الأسرار، محمود الشبستري" (2022/ ترجمة عن الإنكليزية والفارسية وتحقيق وتقديم، و"ايقاعات الزمن، كيث وايتلام" (2022/ ترجمة عن الإنجليزية وتحقيق).

مع غزة
التحديثات الحية

المساهمون