Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا غابت الأعمال التاريخية عن الشاشة العربية؟

تتطلب موازنات ضخمة جداً على مستوى الأجور والديكور والملابس ومخرجين متخصصين في تصوير المعارك

يفضل المنتجون تقديم أعمال الإثارة والتشويق وتلك التي تحظى بالرواج (pixabay)

 

ملخص

بعض الأعمال التاريخية جاءت نتيجتها مخيبة للآمال ولم تحقق النجاح المرجو منها، وكبدت المنتجين خسائر مادية فادحة

تراجعت الأعمال التاريخية بشكل واضح عن المشهد الدرامي العربي بعد سنوات طويلة من النجاح، قدمت خلالها الدراما العربية عدداً كبيراً من الأعمال التاريخية الضخمة. ومع أن بعضهم يعتبر أن الدراما عبارة عن موضة تتغير وتتبدل بين فترة وأخرى، يرى آخرون أن خوف المنتجين من الخسارة والفشل يأتي في مقدمة الأسباب التي تقف وراء إحجامهم عن تقديم الأعمال التاريخية، خصوصاً أنها تتطلب موازنات ضخمة جداً على مستوى الأجور والديكور والملابس، عدا عن أنها تتطلب أحياناً مخرجين متخصصين في تصوير المعارك. والتجربة تؤكد أن كثيراً من الأعمال التاريخية تطلب تحضيرها مبالغ مالية كبيرة إضافة إلى أن الوقت والجهد جاءت نتيجتهما مخيبة للآمال ولم تحقق النجاح المرجو، وكبدت المنتجين خسائر مادية فادحة.

ما رأي صناع الدراما العربية والخليجية بتراجع الأعمال التاريخية التي أغنت الدراما العربية بكثير من الأعمال المهمة؟

الخديوي وأخطاؤه

المخرجة المصرية إيناس الدغيدي تقول لـ"اندبندنت عربية" إن سبب غياب الأعمال التاريخية هو تراجع المنتجين عن تقديمها بسبب كلفتها الإنتاجية العالية، وتوضح "كنت بصدد التحضير لعمل تاريخي بعنوان ’عصر الحريم‘، ولكنه لم ير النور لأنه يتطلب موازنة ضخمة، خصوصاً وأنه يتناول مراحل تاريخية مختلفة ويحتاج إلى ديكورات وأكسسوارات وملابس تعكس تلك المراحل، ولذلك يفضل المنتجون تقديم ثلاثة أعمال تعادل موازنتها موازنة مسلسل تاريخي واحد، هذا عدا عن أن الأعمال التاريخية التي قدمت في الفترة الأخيرة لم تحقق النجاح من بينها ’الخديوي‘ الذي رصدت له موازنة ضخمة جداً، لكن لم يوفق من الناحية الدرامية، وتخلله كثير من الأخطاء ولم يعط الفترة التي تناولها حقها".

إلى جانب الموازنة، تشدد الدغيدي على أهمية الجاذبية التي تعتبر عنصراً مهماً لا بد أن يتوفر في العمل التاريخي على مستوى الموضوع والمواقع والأحداث الدرامية والشخصيات، لأن هناك شخصيات تاريخية مهمة ومفيدة ولكنها ليست جذابة، ثم تستدرك "مواقع التواصل سهلت على الناس الوصول إلى المعلومات التاريخية، بينما كانت الأجيال السابقة تحصل عليها من خلال الدراما أو القراءة أو الدراسة، لذا لم يعد يشكل الإيقاع التاريخي عنصر جذب لدى الجمهور الذي يفضل كل ما هو عملي وسريع".

وعن أهمية اللهجة في الدراما التاريخية تقول "عندما عرض المسلسل التركي ’حريم السلطان‘ مدبلجاً باللهجة السورية وصل إلى الناس لأنها لهجة جميلة ومنتشرة، ولكنني أشعر اليوم بالانزعاج عندما أشاهد مسلسلاً تاريخياً مدبلجاً بهذه اللهجة، لأن الممثلين الذين يقومون بالدوبلاج يشاركون أيضاً في المسلسلات الأخرى بالصوت نفسه، لكن بشخصيات أخرى، والصوت عنصر أساسي وليس  مكملاً. أما بالنسبة إلى اللهجة المصرية العامية البحتة فهي لا تليق بالمسلسلات التاريخية ولا اللغة الفصحى تليق بها، ويفضل اعتماد لهجة عامية خفيفة تتماشى معها".

بحث وصدقية 

أما الممثل جهاد الأطرش الذي جسد كثيراً من الشخصيات في عشرات الأعمال التاريخية، فيعيد السبب لـ"تفضيل المنتجين ومحطات التلفزيون للأعمال التي تحظى بالرواج بصرف النظر عن مضمونها، وإلى إحجام الكتاب عن كتابة الأعمال التاريخية كونها تحتاج إلى بحث معمق ودقة في التناول لتحقيق الصدقية التاريخية". ويتابع "حتى أن هذه الأعمال غابت عن المواسم الرمضانية وحلت مكانها مسلسلات لا تتماشى مواضيعها مع أجواء الشهر الفضيل، بينما نحن كنا نحرص خلال المرحلة الذهبية لتلفزيون لبنان على تقديم الأعمال الأدبية والشعرية والتراثية، التي تدعو إلى الإيمان والمحبة والتقارب الاجتماعي، حتى أن الإنتاجات الدرامية تراجعت وتربعت مكانها الأعمال التركية المدبلجة من دون الالتفات ما إذا كانت ترضي الناس، ولمجرد أنها بخسة الثمن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما يشير إلى أن لبنان كان سباقاً في تقديم الأعمال التاريخية خلال العصر الذهبي للدراما اللبنانية، قائلاً "يومها كانت تعتمد اللغة العربية الفصحى من أجل تسويق الأعمال في كل الدول العربية، التي لا يزال الجمهور يقبل على مشاهدتها حتى اليوم عند إعادة عرضها، ومن ثم اتجه صناع الدراما في سوريا إلى إنتاج الأعمال التاريخية المهمة التي غزت العالم العربي، وحققت نجاحاً لافتاً لأن الجمهور العربي تقبلها بسهولة".

العدو الأول والأخير

الكاتبة السورية رنا بيطار تستبعد أن يكون تغير ذوق الجمهور يقف وراء تراجع الأعمال التاريخية، بل هو بحسب رأيها يحب التعرف على الماضي الغابر ومشاهدة قصص الشخصيات المهمة، وتعقب "غياب هذه الأعمال يعود أولاً لارتفاع كلفتها الإنتاجية وثانياً إلى الظروف الأمنية التي دفعت بصناع الدراما إلى التصوير في المغرب، كما فعل المخرج ناجي طعمة الذي صور فيها مسلسل ’ما بعد السقوط‘، أما الناس فهم يقبلون على مشاهدة العمل الجيد مهما كان نوعه".

في المقابل تؤكد بيطار أن "المنتجين يفضلون تقديم أعمال الإثارة والتشويق وأعمال البيئة، إذ بات هم المشاهد يقتصر على تأمين لقمة العيش لا البحث عن الأصول التاريخية".

كذلك تمنت أن "تشهد المرحلة المقبلة عودة للأعمال التاريخية لكن بالمواصفات التي كانت عليها الدراما السورية قبل 2011 أي قبل الحرب، لأن القيمة الفكرية للمسلسلات تراجعت".

الشراء المميز

الكاتب الكويتي فايز العامر يوضح أنه "في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تم توثيق الحركة الثقافية العربية من خلال مسلسلات تناولت التراث الأندلسي والحكمين العباسي والأموي، اعتمد بعضها على القصص الواقعية وبعضها الآخر على خيال الكاتب، وكان أبطالها من عمالقة التمثيل في الوطن العربي، ثم تم الانتقال إلى دراما البيئة الشامية التي وثقت ثورة الشعب الشامي ضد الاحتلال الفرنسي في ظل غياب واضح لكبار النجوم كما عدد من القصص المعروفة كقصة كليب. ولكن في ذاك الوقت لم تكن الكلفة المالية مرتفعة كما هي عليه اليوم، مما جعل المنتج يشعر بأنه غير قادر على تسويق عمل تاريخي ضخم يضم نجوماً عرب من أصحاب الأجور العالية، مفضلاً عدم المجازفة وتقديم أعمال عصرية خفيفة تضم نجوماً معروفين لكي يتمكن من تسويقها وبيعها لمحطات عدة، ويضمن رأسماله وجزءاً من الأرباح". وتابع "على مستوى الخليج  كانت الكويت رائدة في الأعمال التراثية التي وثقت تاريخها من خلال أعمال تراجيدية وكوميدية من بينها ’درب الزلق‘ الذي وثق حقبة التثمين، وأنا كتبت أربعة أو خمسة أعمال تراثية كان آخرها ’البوشية‘ وقبله ’التنديل‘ للراحل عبدالحسين عبدالرضا و’الفلتة‘ للكوميدي طارق، كذلك قدمت الدراما السعودية ’العاصوف‘ بجزأين وقدمت الإمارات والبحرين أعمالاً تراثية جميلة".

وقدمت الكويت أعمالاً تاريخية من بينها مسلسل للكاتب العراقي زهير الدجيلي ومسلسل "ضيعة أم سالم" من إنتاج تلفزيون الكويت فضلاً عن أعمال تاريخية خفيفة، ويتابع العامر "الشركات الخاصة في الدول العربية والخليجية لم تعد ترغب في إنتاج الأعمال التاريخية بسبب كلفتها العالية، التي يمكن أن يتحملها القطاع العام الذي لا يبغي الربح، وفيلم ’الرسالة‘ مثلاً تشاركت أربع دول في إنتاجه، لكن القطاع العام توقف عن الإنتاج منذ فترة بعيدة، ويعتمد تلفزيون الكويت سياسة المنتج المنفذ الذي يدفع قسماً من الموازنة قبل تصوير العمل والباقي عندما يصبح جاهزاً، وحتى هذه السياسة تغيرت وحلت مكانها سياسة ’الشراء المميز‘، إذ يشتري التلفزيون الأعمال التي يرى أنها الأفضل من بين الأعمال التي يصورها المنتجون على نفقتهم الخاصة".

اقرأ المزيد

المزيد من فنون