معصومة ابتكار ذات الرداء الأخضر

نائبة الرئيس الإيراني.. صحافية وطبيبة ودبلوماسية قبل أن تتحول إلى عالم السياسة

معصومة ابتكار ذات الرداء الأخضر
TT

معصومة ابتكار ذات الرداء الأخضر

معصومة ابتكار ذات الرداء الأخضر

الدكتورة معصومة ابتكار.. أول إيرانية تتقلد منصب نائبة الرئيس الإيراني في عهد
الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي.. والآن في عهد الرئيس الحالي حسن روحاني، بجانب رئاستها لمنظمة حماية البيئة الإيرانية.
ابتكار التي ترتدي دائما رداء أخضر.. سواء غطاء للرأس أخضر أو حذاء أو حقيبة يد خضراء، يدل على أن معركتها الأولى هي البيئة.. ولكن سياسيين آخرين أشاروا إلى أنها تريد أن تعبر عن تضامنها أيضا مع الحملة الخضراء التي بدأها مير حسين موسوي المرشح الرئاسي الأسبق القابع الآن تحت الإقامة الجبرية.
قامت معصومة ابتكار التي تعد وجها بارزا في قطاع البيئة في إيران، بإنشاء مركز السلام والبيئة، وكانت نائبة الرئيس ورئيسة منظمة حماية البيئة في فترة الإصلاحات التي قادها محمد خاتمي منذ 1997 حتى 2005، وبعد فوزها في مجلس البلديات في طهران في 2006 قامت ابتكار بتأسيس «لجنة البيئة».
منحتها الأمم المتحدة جائزة «أبطال الأرض» في عام 2006. وقام حسن روحاني بعد فوزه بالرئاسة الإيرانية بتعيينها رئيسا لفريق العمل التابع لشؤون البيئة قبل تشكيل الحكومة الجديدة، إذ تولت مهمة صياغة المشاريع قصيرة الأمد وبعيدة الأمد للحكومة في قطاع البيئة.
شهدت فترة رئاسة ابتكار لمنظمة البيئة خلال عهد الرئيس محمد خاتمي تمرير القانون الذي يفرض على السيارات الالتزام بمعايير ملوثات الهواء الأساسية، وعلى أثره كان يتعين على صناعة السيارات في إيران الالتزام بهذه المعايير. لم يجرِ تطبيق الالتزام بهذا القرار بسبب حظر شراء البنزين الإيراني.
ومن المتوقع أن تجري إعادة تأسيس المجلس الأعلى لحماية البيئة برئاسة روحاني وفقا لقانون حماية البيئة التي جرى تمريرها في 1974، وسيضم هذا المجلس وزراء: الزراعة، والداخلية، والصناعة، والطرق وإنشاء المدن، والصحة، والخدمات الصحية، ورئيس منظمة التخطيط والميزانية، ورئيس منظمة حماية البيئة، وأربعة أشخاص من الخبراء أو المسؤولين المعنيين.
سيعين رئيس الجمهورية بناء على اقتراح رئيس منظمة حماية البيئة أعضاء المجلس لمدة ثلاث سنوات. وسيكون المجلس الأعلى لحماية البيئة أعلى مؤسسة إيرانية لاتخاذ القرارات حول شؤون البيئة في إيران. ويتولى هذا المجلس مسؤوليات كثيرة مثل إلزام المعامل والمشاريع العمرانية بالالتزام بمعايير البيئة، وترسيم حدود المناطق الأربع التي تخضع لإدارة منظمة حماية البيئة في إيران، وغير ذلك.
وقام محمود أحمدي نجاد بحل المجلس الأعلى لحماية البيئة في سبتمبر (أيلول) 2007 وذلك على غرار سائر المنظمات التي واجهت هذا المصير، وتولت «اللجنة الحكومية لشؤون البنى التحتية» مهام مجلس حماية البيئة.
وما ميز القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى لحماية البيئة بشأن البيئة عن نظيرها في اللجنة الحكومية لشؤون البنى التحتية هو أن قرارات المجلس مدعومة بآراء الخبراء الأربعة من الجامعيين الأعضاء في المجلس الأعلى.
وفي غياب المجلس الأعلى لحماية البيئة، لقد صادقت اللجنة الحكومية لشؤون البنى التحتية على تنفيذ عدد من المشاريع مثل عملية التنقيب عن النفط، وتخزين الغاز الموجود في حديقة كوير الوطنية الواقعة في محافظة سمنان (مركز)، واستخراج النفط من هور شادكان الدولي في محافظة خوزستان (جنوب غرب)، وتسليم حديقة نايبند الوطنية المائية في إقليم بوشهر (جنوب) إلى الجهات المعنية لاستخراج الغاز الموجود في المنطقة، وتسلیم حديقة بمو الوطنية في إقليم شيراز (جنوب) إلى الجهات المعنية لتوسيع المدينة الصناعية ومصفاة شيراز.
وأثارت موافقة اللجنة الحكومية لشؤون البنى التحتية مع تسليم هذه المحميات التي تخضع لإدارة منظمة حماية البيئة، استياء ناشطي البيئة والجامعيين، لأن القوانين تنص على حظر تسليم هذه المناطق إلى جهات أخرى.
وعدت معصومة ابتكار خلال أول خطاب لها في محمية برديسان (غرب طهران) بصفتها رئيسة لمنظمة حماية البيئة في إيران بإحياء المجلس الأعلى لحماية البيئة. وجرى تشكيل أول جلسة للمجلس في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بعد تعليق دام ست سنوات، وناقشت معضلة جزئيات الغبار والتراب المنتشرة في الهواء ومدى تأثيرها على تلوث الهواء.
غادرت أسرة معصومة ابتكار، وهي من مواليد 1961 في طهران، البلاد وهي في الثالثة من عمرها، مصطحبة والدها الذي يريد إكمال دراساته العليا. وقضت ست سنوات في ولايتي فيلادلفيا وماساتشوستس الأميركية. وأكملت دراساتها في مدرسة «إيران زمين» الدولية لدى عودتها من الولايات المتحدة.
ودخلت ابتكار جامعة بوليتكنيك الصناعية في طهران في 1977 لتدرس في فرع الهندسة البتروكيميائية. ونالت شهادة الإجازة من جامعة بهشتي في فرع تكنولوجيا الطب بعد أن قامت بتغيير فرعها في 1981، وحصلت على الماجستير والدكتوراه في فرع علم المناعة من جامعة في طهران.
أصبحت ابتكار في الفترة الطلابية الناطقة باسم الطلبة المسلمين التابعين لنهج الإمام، وفي 1981 قام محمد خاتمي مندوب الإمام خميني في جريدة «كيهان» بتعيين معصومة ابتكار رئيسة تحرير النسخة الإنجليزية من جريدة «كيهان» لمدة سنتين، وكان أحد الأسباب في هذا التعيين إتقان ابتكار للغة الإنجليزية.
ومعصومة ابتكار متزوجة ولها ولدان.
بعد أن كانت الدكتورة ابتكار مندوبة الجمهورية الإسلامية لدى المؤتمر العالمي الثالث للمرأة الذي انعقد في نيروبي، قامت هي وعدد من الباحثات الإيرانيات في 1993 بإنشاء مركز النساء للدراسات والأبحاث، وبنشر مجلة «فرزانه» الموسمية في النسختين الفارسية والإنجليزية، التي تعد المجلة الأولى الخاصة بالدراسات والأبحاث في مجال حقوق المرأة. وقامت ابتكار في عامي 1996 و1997 بإنشاء فرع دراسات المرأة في إحدى جامعات طهران.
وقامت ابتكار برئاسة المكتب التنسيقي لمنظمات المرأة المدنية، ونيابة رئاسة اللجنة الوطنية لمؤتمر المرأة الرابع في 1995، وقامت المؤسستان المذكورتان بتأسيس شبكة لمنظمات المرأة المدنية في إيران برئاسة معصومة ابتكار في 1996، وتمكنت معصومة ابتكار بصفتها أول امرأة في تاريخ الجمهورية الإسلامية من الدخول في الحكومة، وشغلت منصب نائبة رئيس الجمهورية، ورئاسة منظمة حماية البيئة من 1997 إلى 2005.
وتقوم الدكتورة ابتكار بالتدريس في جامعة تربية مدرس في طهران منذ 1990، وتشغل حاليا منصب مساعدة رئيس فريق علم المناعة في كلية الطب في الجامعة. وقامت ابتكار بكتابة 48 مقالا حول مناعة الجهاز العصبي، والخلایا الجذعية، واللقاحات الفيروسية الجديدة، واللقاح عبر استخدام الجسيمات النانوية، واللقاحات من الخلايا الجذعية، وتأثير الملوثات على جهاز المناعة، وغاز الخردل.
وانضمت ابتكار إلى عدة تشكلات ومؤسسات علمية مثل عضوية مجلس أمناء نقابة الربو والحساسية، ونقابة علم المناعة والحساسية، وأكاديمية المعرفة النسوية للعالم الثالث، والمجلس التأسيسي ومجلس أمناء مؤسسة المرأة للدراسات والأبحاث، ومجلس أمناء مؤسسة حوار الحضارات، ومعهد باران التابع لمحمد خاتمي، ومجلس أمناء معهد زينب.
وفازت ابتكار في انتخابات مجلس البلديات في دورتها الثالثة بمقعد عن مدينة طهران في 2006، أي بعد وصول محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة. ودشنت ابتكار لأول مرة لجنة خاصة لحماية البيئة في مجلس البلديات التي ضمت أكثر من 20 فريقا للعمل من الخبراء بهذا المجال، وتولت رئاسة اللجنة.
وقامت ابتكار بتأليف رواية عن تفاصيل عملية اقتحام السفارة الأميركية في طهران إبان الثورة من داخل السفارة. وقام دار نشر في كندا بإصدار الكتاب الذي يحمل عنوان «Takeover in Tehran». ويعد هذا الكتاب الوحيد الذي يصدر باللغة الإنجليزية ويروي الأحداث بنظرة إيرانية. وترجم الكتاب باللغتين الفارسية والعربية في طهران وبيروت تحت عناوين «تسخير»، و«الصراع في طهران».
وأما رواية «خوشه هاي شهريور» (عناقيد أيلول) فتروي الأحداث التي شهدتها البلاد خلال الأعوام من 1997 حتى 2005، وتركز ابتكار في هذه الرواية على الوقائع السياسية والبيئية خلال تلك الفترة. صدر الكتاب في 2009، ويضم كتاب «السلم والأخلاقيات الطبيعية» Natural Peace & Ethics مجموعة من المقالات والخطب التي ألقتها ابتكار حول البيئة والسلام. صدر الكتاب في 2005 باللغة الإنجليزية.
المرأة في الحكومات الإيرانية
* رغم الحديث المستمر عن دور المرأة المتنامي في النشاطات الاجتماعية بعد قيام الثورة في إيران، فإن المراقبين يرون أن ذلك لم يسفر عن انخراط واسع للمرأة في أركان الحكومات المتتالية في البلاد.
وتعود أول مشاركة للمرأة في الكثير من الأجهزة الحكومية إلى فترة هاشمي رفسنجاني الرئاسية في نهاية الثمانينات حيث تولت شهلا حبيبي منصب مستشارة رفسنجاني لشؤون المرأة فيما شغلت فائزة هاشمي رفسنجاني منصب نائبة رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية. ولم تبلغ أي امرأة مناصب وزارية أو نيابة رئيس الجمهورية إلا في عهد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي.
وكانت معصومة ابتكار المرأة الوحيدة التي شغلت منصب رئاسة منظمة حماية البيئة لمدة ثماني سنوات في ولاية محمد خاتمي الرئاسية. وأصبحت زهراء شجاعي مديرة جمعية الشؤون النسوية لمدة ثماني سنوات في فترة محمد خاتمي الرئاسية.
وقام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بتحطيم الرقم القياسي لمشاركة المرأة في الحكومات الإيرانية بعد قيام الثورة. وولاية أحمدي نجاد الرئاسية تشهد تولي أول امرأة لمنصب وزاري بعد قيام الثورة.
كان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد يعتزم إشراك اثنتين أو ثلاث نساء في حكومته، غير أن الحكومة السابقة سجلت في النهاية مشاركة مرضية وحيد دستجردي وزيرة للصحة. وقام أحمدي نجاد بترشيح سوسن كشاورز، وفاطمة آجورلو لشغل حقيبتي التعليم، والرفاه والرخاء، الوزاريتين، غير أن البرلمان لم يمنح الثقة لهما.
وشهدت فترة أحمدي نجاد الرئاسية حضورا واسعا للسيدات اللاتي شغلن مناصب النائبات في الوزارات ومديرات للمنظمات الحكومية، فعلى سبيل المثال كانت مريم مجتهد زاده آخر مديرة لمركز شؤون المرأة في حكومة أحمدي نجاد.
وتولت فاطمة بداغي منصب مستشار أحمدي نجاد للشؤون القانونية، فيما شغلت نسرين سلطانخواه مهمة نائبة أحمدي نجاد للشؤون العلمية. وأصبحت الخبيرة في الشؤون الاقتصادية مينو كياني راد مساعدة محافظ المصرف المركزي لشؤون العملة الصعبة منذ 2011، وبذلك قد تكون أول امرأة تتولى منصبا في الرئاسة التنفيذية لهذا البنك.
ولكن روحاني لم يرشح أي امرأة لتولي مناصب وزارية فحسب، بل إنه لم يتعامل بسخاء أيضا في إشراك المرأة في الحكومة. وأعاد روحاني تعيين معصومة ابتكار رئيسة لمنظمة حماية البيئة. وقام روحاني بتعيين مرضية أفخم في العام الإيراني الماضي متحدثة لوزارة الخارجية الإيرانية.
كما عين الرئيس الإيراني شهيندخت مولاوردي في منصب نائب الرئيس لشؤون المرأة والأسرة في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، وفي شهر أغسطس (آب) 2013 جرى تعيين إلهام أمين زاده في منصب نائبة الرئيس روحاني للشؤون القانونية.



جبهة لبنان: المُسيَّرات الهجومية عنوان «معركة الاستنزاف»

قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
TT

جبهة لبنان: المُسيَّرات الهجومية عنوان «معركة الاستنزاف»

قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)
قصف إسرائيلي يستهدف أحد مواقع "حزب الله" (رويترز)

رفعت إسرائيل من وتيرة عملياتها في العمق اللبناني، مستهدفةً بشكل ممنهج مواقع لـ«حزب الله»، ومنفّذة عمليات اغتيال طالت قادة ميدانيين، في حين يردّ الحزب بضرب مواقع إسرائيلية ذات بُعد استراتيجي. أما القاسم المشترك بين الطرفين فيتمثّل باستخدامهما أسلحة جديدة أبرزها المُسيَّرات الهجوميّة التي باتت وسيلة فاعلة على الجبهتين، وعنوان «معركة الاستنزاف» المستمرّة منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. يتمسّك «حزب الله» حتى الآن بقواعد الاشتباك، وعدم تغيير ظروف اللعبة تجنباً لحربٍ واسعة تريدها إسرائيل وتسعى لاستدراجه إليها، بينما تُوسّع تل أبيب دائرة استهدافها العمق اللبناني ويشّن طيرانها الحربي غارات تطول معظم بلدات الجنوب وأطراف مدينة صيدا وصولاً إلى البقاع الذي يشكل امتداداً لبيئة الحزب، وقد أسفرت غارة إسرائيلية قبل يومين على منطقة الزهراني في قضاء صيدا، عن مقتل عنصر في الحزب وطفلين سوريين، كما كثّفت غاراتها على بلدات جنوبية منها النجارية والعدوسيّة القريبتين من مدينة صيدا البعيدة جداً عن الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.

في حين نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين عسكريين قولهم إن إيران نقلت وسائل دفاع جوي متقدمة لـ«حزب الله»، مستندين في ذلك إلى صور من موقع عسكري هاجمه الجيش الإسرائيلي، أدخل «حزب الله» في المقابل أسلحة جديدة على المعركة لإظهار قدراته القتالية، ومحاولة خلق «توازن رعب» جديد مع إسرائيل.

وفي هذا الإطار أعلن الحزب عن «تنفيذ عملية بواسطة مُسيَّرة هجوميّة مسلّحة مزوّدة بصاروخين من طراز (إس – 5) على موقع عسكري في المطلة بأقصى شمال شرقي إسرائيل، قبل أن تنفجر». وأيضاً نشر مقطع فيديو يوثّق تحليق المُسيَّرة باتجاه الموقع حيث توجد دبابات ولحظة إطلاقها الصاروخين ثم انفجارها.

دخول الأسلحة الجديدة على المعركة لا يعني بالضرورة أن الحزب يهيئ الأرضية لفتح جبهة الجنوب على امتدادها، بقدر ما هو توجيه رسائل إلى الجانب الإسرائيلي تفيد بأن المغامرة العسكرية ستكون أثمانها مكلفة جداً.

وهنا أشار الدكتور رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري والخبير في شؤون الأمن والتسلّح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «حزب الله لم يستخدم كل أسلحته منذ البداية، بل آثر أن يرسم لنفسه قواعد الاشتباك المناسبة، ويحصر عملياته العسكرية ضمن جبهة معينة مع إسرائيل».

ولفت قهوجي أيضاً إلى أن الحزب «لا يزال يعتمد على صواريخ (كاتيوشا) و(غراد) إلى جانب صاروخ أطلق عليه اسم (البركان) هو عبارة عن صاروخ (غراد) معدّل برأس أكثر قوّة». ووفق قهوجي فإن «استخدام الحزب الأسلحة التكتيكية، أي الصواريخ المضادة للدروع مثل (كورنيت)، تبقى استراتيجية أكثر فاعلية، لأن الضرر الذي ينجم عن (كاتيوشا) و(غراد) محدود الفاعلية، بالنظر إلى امتلاك إسرائيل قبّة حديدية قادرة على تدمير هذه الصواريخ في الجوّ».

المُسيَّرات الانقضاضيّة

في هذه الأثناء، يواظب «حزب الله» على تصوير عملياته التي تستهدف مواقع إسرائيلية قريبة من الحدود اللبنانية، لسببين:

الأول، إظهار قدرته أمام جمهوره وبيئته على إلحاق الخسائر بالعدو والردّ على الاغتيالات التي تطول قيادييه وكوادره.

والثاني، التأثير النفسي على الجانب الإسرائيلي. وكان الحزب قد أعلن أخيراً «استهداف نقطة تموضع واستقرار لجنود العدو في موقع رويسة القرن في مزارع شبعا اللبنانية بصاروخ موجّه». وذكر في بيان له أن العملية «حققت إصابات مباشرة، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها في الموقع المذكور».

ضمن هذا السياق، لا يُخفي رياض قهوجي أن «استخدام الحزب الصواريخ الموجَّهة والطائرات المُسيَّرة الانقضاضية أو الانتحارية، نجح في إيقاع إصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين... وكلما اقترب الهدف من الحدود اللبنانية قلّت قدرة إسرائيل على اعتراض مُسيَّرات وصواريخ الحزب وإسقاطها».

تشييع عباس شومان أحد عنصر "حزب الله" (رويترز)

عمليات مركّبة

في المقابل، فرض تفوّق الجيش الإسرائيلي، خصوصاً في سلاح الجوّ والدفاعات الجوية، على «حزب الله» تكتيكات معيّنة، فبدأ الأخير استخدام الطائرات المُسيَّرة بشكل منسق مع الصواريخ الموجهة، في ممارسة أطلق عليها تسمية «العمليات المركّبة».

وعودة إلى رياض قهوجي، فإن «العنوان الأساسي للمعركة الحالية هو الاستنزاف، لأن الحزب لم يتوقّع أن تستمر هذه الحرب لسبعة أشهر». وهنا قدّم الخبير الاستراتيجي اللبناني مقاربة مختلفة لرؤية إسرائيل لهذه الحرب، إذ شدّد على أن الجيش الإسرائيلي «ألغى قواعد الاشتباك وأزال الحدود أمام عملياته، مستخدماً قدراته وتفوّقه الجوّي... وهو ينجح بالاستهداف النوعي ويختار أهدافه عبر اغتيال قادة ميدانيين وكوادر أساسية في الحزب ذات خبرة قتالية عالية وواسعة، بالإضافة لاستهدافه مخازن أسلحة ومواقع سيطرة، فضلاً عن تدمير بلدات وقرى تشكِّل البيئة الحاضنة للحزب، من أجل زيادة الضغط عليه». ثم أردف: «لا شك في أن الجانب الإسرائيلي يستخدم جميع أنواع الأسلحة ضمن استراتيجية واحدة هي الاغتيالات والاستنزاف وتدمير قدرات الحزب بشكل ممنهج».

تحييد المدن الكبرى

لا خطوط حمراء أمام العمليات الإسرائيلية التي بلغت منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى مواقع «حزب الله» في ريف مدينة القصير السورية، لكنها ما زالت تتجنّب قصف المدن الكبرى مثل صور وصيدا وبيروت. وحسب رأي قهوجي، فإن «تحييد إسرائيل للمدن الكبرى إنما هو لتجنيب مدنها صواريخ (حزب الله)، وهذه قاعدة الاشتباك الوحيدة التي يلتزم بها الطرفان». ومن ثم لفت إلى أن الحزب «يمتلك تشكيلة كبيرة من الأسلحة، خصوصاً في مجال الدفاع الجوي، وقد قدّم نموذجاً منها عندما أسقط ثلاث مُسيَّرات إسرائيلية من طراز (هيرمز 450) و(هيرمز 950)، لكنَّ هذا التقدّم لا يعني تهديد السيطرة الجوية الإسرائيلية، فهي ذات قدرات محدودة أمام الطائرات الحربية النفّاثة، وهذه الصواريخ استُخدمت في سوريا في مواجهة القصف الذي يطول مواقع للحزب وإيران ولم يُثبت فاعليته».

اغتيال القادة الميدانيين

على صعيد آخر، لوحظ بوضوح في الفترة الأخيرة، أن إسرائيل هي التي تسارع إلى الكشف عن اسم الشخصيّة العسكرية التي يغتالها قبل أن يعلن عنه «حزب الله» عن هويّة المستهدف من قادته الميدانيين ودوره وأهميته في الجبهة.

وخلال الساعات الماضية أعلن الجيش الإسرائيلي عن «تنفيذ عملية اغتيال جديدة طالت مسؤولاً في (حزب الله) يتولى قيادة وحدة صاروخية في منطقة ساحل جنوب لبنان». وقال الناطق العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إن الجيش «نفّذ غارة جوية في منطقة صور، هاجم فيها قاسم سقلاوي، قائد الوحدة الصاروخية في منطقة الشاطئ في (حزب الله)». وأضاف أدرعي أن سقلاوي «كان مسؤولاً عن التخطيط والتنفيذ لعمليات إطلاق قذائف صاروخية نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حيث عمل على تنفيذ وتخطيط عمليات إطلاق قذائف صاروخية، وأخرى مضادة للدروع نحو إسرائيل من منطقة الشاطئ في لبنان»، في إشارة إلى منطقة الساحل الجنوبي.

ورداً على هذا الاغتيال والعملية الإسرائيلية في مدينة القصير السورية، التي تسببت بمقتل اثنين من عناصره، أعلن «حزب الله» أن مقاتليه «هاجموا موقع المطلة ‏وحاميته وآلياته بمُسيَّرة مسلّحة بصاروخي (إس 5)، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب هذا النوع من الصواريخ التقليدية غير الموجهة».

معركة استنزاف

ثم إنه صحيح أن المواجهة وضعت «حزب الله»، كما وضعت إسرائيل، أمام معركة استنزاف لم يتوقعها الطرفان، لكن رغم ارتفاع أثمانها والخسائر التي يتكبّدها الحزب فإنه لا مؤشرات على استعداده للذهاب إلى «حربٍ شاملة»، بخلاف حكومة إسرائيل التي تسعى لإشعال الجبهة مع لبنان، رافضةً الضغوط الأميركية والأوروبية. غير أن مصدراً مقرّباً من «حزب الله» قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأخير «ليس في مرحلة استنزاف كما يروّج البعض». وتابع أن الحزب «يضع نفسه في حالة مواجهة دائمة مع الجانب الإسرائيلي، ولذلك يرى أن معركة إشغال إسرائيل ومساندة غزة لا تزال في بدايتها، وأن الحزب يملك نفساً طويلاً في كلّ حروبه من إسرائيل».

ومن ثمَّ أكد المصدر المقرّب من الحزب أن «المقاومة تحتفظ بكثير من المفاجآت التي ستصدم العدو وحلفاءه وليس العكس». وأضاف شارحاً أن «المقاومة في حالة حرب مع الإسرائيلي منذ اجتياح بيروت في عام 1982، وبقيت في هذه الوضعية حتى بعد تحرير الجنوب في 25 مايو (أيار) 2000، لأن العدو لم يُخفِ يوماً نيّاته العدوانية تجاه لبنان». واستطرد: «ما دام الإسرائيلي فتح الحرب في غزة، ووضع لبنان أمام خطر الحرب منذ الثامن من أكتوبر، فعليه أن يتحضّر للمفاجآت إذا ما اختار توسيع المواجهة».

منطقة عازلة

أخيراً، حول احتمالات المستقبل، يُجمع الخبراء على أن جبهة جنوب لبنان ستبقى مشتعلة، إلى أن تتبدّل الظروف التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر الماضي، وأن تل أبيب لن تقبل بوقفٍ لإطلاق النار قبل إقامة «منطقة عازلة» في جنوب لبنان، تقع تحت سيطرة قوات «يونيفيل» والجيش اللبناني، وخالية من أي وجود لمقاتلي «حزب الله».

وفي رأي أحد الخبراء، فإن حكومة إسرائيل «ستعمل على فرض واقع أمني في جنوب لبنان، كي لا تستفيق يوماً على (طوفان أقصى جديد) ينطلق من جنوب لبنان إلى الجليل الأعلى ومستوطنات الشمال... ولذلك نراها ترفض عودة مواطنيها إلى منازلهم في المناطق القريبة من حدود لبنان قبل الانتهاء من هذه الورقة الأمنية، سواء بالحلّ الدبلوماسي أو بالعمل العسكري أياً كانت نتائجه». لا خطوط حمراء أمام العمليات الإسرائيلية التي بلغت منطقة البقاع الشمالي وصولاً إلى مواقع «حزب الله» في ريف مدينة القصير السورية

منظر لقطاع من الجبهة المفتوحة في جنوب لبنان (رويترز)

حسابات أوراق القوّة... والخسائر البشرية

> تأهباً للحرب الشاملة التي تتفوّق فيها إسرائيل عتاداً وعديداً تكنولوجياً، فإن «حزب الله» يخبئ أوراقاً قويّة تحضيراً لها. وهنا، أفاد الخبير الاستراتيجي الدكتور رياض قهوجي، بأن الحزب «لا يزال يمتلك ترسانة من الصواريخ الباليستية والصواريخ الدقيقة القادرة على ضرب العمق الإسرائيلي إذا حصل التصعيد في أي وقت». وجزم قهوجي بأن «حزب الله لا يريد الحرب، وهو يعدّل تكتيكاته عبر الصواريخ الموجَّهة والمُسيرات الانقضاضيّة لإيقاع إصابات في إطار حرب الاستنزاف، بخلاف الإسرائيلي الذي يسعى إلى حرب واسعة، لكن عندما تقع هذه الحرب سيُظهر الحزب أوراق القوّة لديه».والمعروف أنه عند كلّ زيارة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو وزير الدفاع يؤاف غالانت، أو رئيس الأركان هرتسي هاليفي، يحضّ هؤلاء جنودَهم على الاستعداد لمعركة طويلة مع لبنان بما فيها احتمال الاجتياح البرّي، ويتكلمون عن «بنك أهداف» كبير ووسائل ربما تكون «حرب 2006» نزهة أمام ما سيحدث.على هذا، ردّ المصدر المقرّب من «حزب الله» بأن إسرائيل «تمارس حرباً نفسيّة على لبنان وحزب الله للخضوع لشروطها»، وشدد على أن الحزب «حدّد بدوره بنك الأهداف داخل الكيان الإسرائيلي في أي مواجهة قادمة». وأضاف: «لقد أعلن (أمين عام حزب الله) السيد حسن نصر الله، أن ضرب بيروت سيقابله تدمير تلّ أبيب، وضرب المنشآت المدنية سيقابَل بتدمير أهداف مدنية استراتيجية لدى العدو، بما فيها منصات الغاز في حقل كاريش».وفي حين لم يكشف الجانب الإسرائيلي عن خسائره البشرية جرّاء عمليات «حزب الله» ضدّ مواقعه وتجمعات جنوده، أعلنت مؤسسة «الدولية للمعلومات» عن سقوط 428 قتيلاً لبنانياً بالقصف الإسرائيلي على لبنان، غالبيتهم من «حزب الله». وأفادت «الدولية للمعلومات» في نشرتها الشهرية، بأنه «منذ عملية طوفان الأقصى في غزة التي بدأت فجر يوم السبت 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ولغاية صباح الأربعاء 22 مايو (أيار) 2024، وصل عدد الشهداء 428 شهيداً، أكثريتهم السّاحقة من حزب الله». وأشار إلى أن القتلى توزّعوا على الشكل التالي:- مقتل جندي واحد للجيش اللبناني سقط يوم الثلاثاء 5 ديسمبر (كانون الأول) 2023، عندما قصفت إسرائيل أحد مراكز الجيش في بلدة العديسة الحدوديّة.- 305 لـ«حزب الله» و18 لحركة «أمل» وواحد للحزب السوري القومي الاجتماعي في 15 ديسمبر 2023، و3 من الإعلاميين.- 61 مدنياً من بينهم الجدة سميرة أيوب وحفيداتها الثلاث اللواتي استُشهدن يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 في الطريق بين عيترون وعيناتا.- عائلة البرجاوي وأقاربهم الذين قضوا يوم الأربعاء 14 فبراير (شباط) 2024.- عائلة فادي حنيكي (الذين قُتلوا داخل منزلهم) في ميس الجبل في 5 مايو 2024.- 9 من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ«حزب الله»، و5 من الجماعة الإسلامية، و7 من مسعفي الهيئة الطبية الإسلاميّة التابعة للجماعة الإسلاميّة أُصيبوا في بلدة الهبّارية، و3 من كشافة الرسالة الإسلامية التابعة لحركة «أمل»، و7 سوريين، و8 فلسطينيين.