نجم الهاشم

الياس عطالله يروي محطات من تاريخ الحرب والحزب الشيوعي (3 من 8)

الـ"كي جي بي" وخطف الدبلوماسيين الروس... وعرفتُ عماد مغنية

27 كانون الأول 2023

02 : 00

الياس عطالله

يكشف الياس عطالله المسؤول العسكري السابق في الحزب الشيوعي، وأمين سر حركة «اليسار الديمقراطي» لاحقاً، أنه كان ضدّ العمليات الإنتحارية وحاول منعها، ويتحدّث في هذه الحلقة عن طريقة تعاطي السوفيات مع قضية خطف «حزب الله» الدبلوماسيين الأربعة، وعن معرفته بعماد مغنية منذ كان مسؤول الحزب الشيوعي في الضاحية الجنوبية، وعن طلب النظام السوري إبعاده عن القيادة، وعن أنّه كان يعتبر منذ العام 1977 أن القوات السورية في لبنان هي جيش احتلال.



* طلب منكم السوفيات المساعدة بعد خطف الدبلوماسيين الأربعة؟

- كان هناك مسؤول آخر أعلى من «الأرنب». فاليري. عندما حصلت عملية خطف الدبلوماسيين الروس الأربعة عام 1985 بلّغونا. صرنا نفتّش معه عليهم نحن ووليد جنبلاط. لم نستطِع أن نكتشف شيئاً. وصل فاليري. كنّا نعرفه. طوله نحو مترين. أخبرناه ماذا فعلنا وأين فتّشنا وأنّنا لم نستطع تحديد الجهة التي خطفتهم. قال «بسيطة». قبل ذلك كان ذهب والتقى السيّد محمد حسين فضل الله. كان يحمل معه محضراً مكتوباً أطلعنا عليه. وفيه أنّه قال لفضل الله: «إسمع يا شيخ. اليوم تروّقوا لبنة وزيت وزيتون. لابسين بيجامات مقلّمة بنّي على أزرق. إذا ما بيكونوا الساعة 4 بالسفارة راسك بالدقّ». ثم غادر. الساعة 4 كانوا بالسفارة.

* كانوا يعلمون أنّ الخاطفين من «حزب الله»؟- ما كان صار اسمو «حزب الله». لم يقم «حزب الله» بأي عملية باسمه قبل العام 1986 وكان الإحتلال تراجع إلى الشريط الحدودي. «الحزب» احتلّ المناطق التي حرّرناها نحن بشكل أساسي وحركة «أمل». الحرس الثوري احتلّ ثكنة الشيخ عبدالله في البقاع والحزب احتلّ سنة 1985 إقليم التفاح أولاً وألغى وجود «أمل» عسكرياً ثم أخذ يسيطر على المناطق الأخرى بالتزامن مع إلغاء الآخرين قتلاً واغتيالاً. ويبدو أنّ هذا كان الإتفاق بين حافظ الأسد والنظام الإيراني، أي أن يحتلّ «حزب الله» الجنوب ويُخضعه للإرهاب. نحن كنّا نرفض رفضاً قاطعاً أيّ عمل خارج الحدود. نحن معنيّون بتحرير الأراضي اللبنانية وتسليمها للدولة بالصيغة المتفّق عليها. أمّا هو فكان مشروعه عابراً للحدود. كان شرط البعث السوري أو النظام العلوي، أن يحدّد لنا مشروع مقاومتنا ورفضنا ودفعنا الدم. ورفضنا مشروع «حزب الله» ودفعنا الدم. لم نسلّمهم ذرة من مشروعنا. صحيح أنّه خبا ولكنّه لا يموت. فرضوا على نبيه بري و»أمل» المشروع السوري العلوي الإيراني ومهّدوا لذلك بـ»اغتيال» الإمام موسى الصدر. حاولنا لمرّة واحدة الحوار معهم وطرحنا وجهة نظرنا بأنّ المقاومات تنتهي بمشروع الدولة. المقاومة ضرورة موقتة ومع استكمال تحرير الأرض يصبح المشروع هو بناء الدولة في لبنان، بناء دولة الطائف. أجابوا إنّ هذا الكلام يصدر من عملاء إسرائيل وأميركا. وقالوا إنّ الدولة ضعيفة، فكيف نسلمها؟ قلنا لهم إنّ الدولة مستهدفة لتبقى ضعيفة. أقلِعوا عن مساركم فتقوى الدولة ولكنّكم تعملون لإضعافها ليل نهار ثم تصرخون وادولتاه لماذا أنت ضعيفة؟ «حزب الله» لا يحاور بل يلغي عسكرياً ويستخدم الحوار لاستثمار أعماله الإلغائية.

العمليات الانتحارية

* ماذا عن العمليات الإنتحارية؟

- حصلت في وقت متأخّر. ربما عام 1984. هناك عملية استهدفت ثكنة عسكرية إسرائيلية، وكنت ضدّ هذه العمليات، وضدّ هذه العملية التي لم أحدّد مسارها. وعندما عرفت بها قبل حصولها ذهبت إلى من كان سينفّذها (جمال ساطي) وجلست معه في مركز عمله في سوبرماركت يملكه شخص من كامد اللوز، وقلت له: «برأيي بلاها. أنت تنفّذ عمليات كثيرة وتستطيع أن تستمرّ فلماذا هذه العملية؟». ولكن لم أكن قادراً على البوح له بصفتي وباسم من أتكلّم وبأنّني المسؤول عن العمليات.



جمال ساطي منفذ العملية الإنتحارية


* من خطط لهذه العملية؟ هل كانت هناك جهة ثانية في الحزب تقرّر وتخطّط وتنفّذ؟

- لم تكن هناك جهة ثانية. كان خيار جورج حاوي. أعتقد أنّه كان يريد إحداث ضجة وتغطية إعلامية. استهدفت العملية مركز الحاكم العسكري في زغلة في منطقة البقاع الغربي ضمن منطقة طابعها درزي. ركب على بغل ملغّم ولبس ثياب شيخ درزي وراح. ولكن قبل أن يصل إلى الثكنة انتبهوا له ففجّر نفسه مع البغل ولم يُقتَل أحد غيره في العملية. يا للأسف.


جورج حاوي



* غير هذه العملية؟

- عملية نفّذتها وفاء نور الدين. أيضاً في البقاع الغربي. لم أكن على اطلاع مسبق على التفاصيل. خلال هذه المرحلة كان جورج حاوي انتقل إلى سوريا ويتردّد إلى البقاع الغربي.

علاقة حاوي بالسوريين

* كانت علاقة حاوي جيدة مع السوريين خلال هذه المرحلة؟


- كانت العلاقة وسط. بقيت علاقته معهم معقولة. العلاقات الشخصية بين السوريين والمسؤولين في الحزب كانت دائماً موجودة باستثنائي. لم تكن عندي علاقات معهم. من الأساس منذ العام 1977 اعتبرت أن وجود الجيش السوري في لبنان احتلال. عام 1988 أخذوا قراراً بإبعادي. كان القرار بطلب من محمد الخولي (مسؤول المخابرات الجوية في سوريا القريب من حافظ الأسد).

* إبعادك من لبنان أم من الحزب؟-

من بيروت. لم يطلبوا إبعادي من الحزب بل إخراجي من لبنان.

* لماذا؟

- ما بدّهم ياني. حمّلوني مسؤولية معركة 1987. (بين الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الإشتراكي ضد حركة «أمل»)

* نفّذتم عمليات في بيروت الشرقية؟

- عام 1982 نفّذنا عملية قرب أوتيل ألكسندر في الأشرفية بواسطة عبوة ناسفة، وعملية في أنطلياس. كانت العمليات هناك أسهل منها في بيروت الغربية لأنّهم كانوا مطمئنّين للأجواء هناك.



عرفات وأبو جهاد وأبو أياد


* سلّمكم الفلسطينيون أسلحة قبل خروجهم؟

- بعد خروجهم أخذنا نجمع الأسلحة وخزّناها في بناية كانت قيد الإنشاء في منطقة كليمنصو. راجمات وصواريخ ومدافع. أتى شارون وأخذها. قلت وقتها «أعطانا عرفات سلاحاً عندما لم يعد باستطاعتنا أن نستعمله». قال لي مرّة قبل خروجه: «عندي مخزن سلاح أريد أن أسلّمك إياه». قلت له: «وماذا أفعل به الآن؟».



عماد مغنية والسيد حسن نصرالله


عماد مغنية

* هل سلّموا مخازن وشبكات مخابرات وخلايا سرية لعماد مغنية؟

- عماد مغنية كان من الشياح في مخابرات حركة «فتح» مع أبو جهاد (خليل الوزير) الرجل الثاني بعد عرفات على عكس الصورة الشائعة التي كانت تعتبر أن ابو إياد (صلاح خلف) هو الثاني. كنت أعرفه وكان بعمر 20 سنة وقتها. كان لدى أبو جهاد جهاز مخابراته الخاص وكان أكثر جدية من اي مسؤول فلسطيني آخر. كان الشخصية الماسكة حركة «فتح» والأرض. وكان عرفات يثق به أكثر من غيره.


عرفات ومحسن إبراهيم وأبو أياد وجورج حاوي





+ بقي هناك تواصل مع عرفات بعد خروجه؟


-ليس من جهتي. هناك كثيرون ذهبوا إلى تونس والتقوا معه.


* ما كان موقفكم خلال حرب المخيمات؟


- كانت حرب المخيمات من أشرس الحروب. وربما هي وفاء متأخّر لوعد حافظ الأسد عام 1977 بضرب الوجود الفلسطيني واليساري بزعامة كمال جنبلاط. كانت من ضمن تقوية الأقليات بعد اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا. استلم نبيه بري رئاسة حركة «أمل» التي صارت التنظيم المفضّل عند النظام السوري وبدأوا خلافاتهم معنا ومع الفلسطينيين. تسلّحوا جيداً وصاروا يحاولون الإعتداء علينا من أماكن السكن إلى المراكز. حصلت معركتان بيننا وبينهم في الضاحية الجنوبية وخسروا فيهما. واحدة حصلت سنة 1979 وواحدة عام 1980 بقيت ذيولها حتى الإجتياح الإسرائيلي. انتهت المشاكل موقتاً وكنّا مسيطرين على الشياح وبرج البراجنة. كنّا أقوى منهم. ولكن دائماً كان يتدخّل السوريون عندما يجدون أنّهم سينهزمون ويعيدون تسليحهم وتقويتهم. آخر معركة حصلت في بيروت في شباط 1987، من أجل عودة الجيش السوري إلى بيروت والمناطق التي كان انسحب منها عام 1982.

* خلال هذه المرحلة كنتم مستمرين في أعمال المقاومة؟


- اعتبر الإسرائيليون أنهم إذا انسحبوا إلى الشريط الحدودي تنتهي المشكلة. ولكن كنّا قد نجحنا في تنظيم مجموعات في كل المناطق وداخل الشريط وأكملنا في العمليات بعد عام 1985. عملنا نحو 7000 عملية في كل لبنان سقط لنا فيها نحو 183 شهيداً. كل عملية كان يشارك فيها أربعة مقاومين. وكنّا مدركين أنّنا نكون خاسرين في كل عملية اشتباك مباشر لا تكون خاضعة لقاعدة أضرب واهرب لأن الإمكانات كانت غير متكافئة بيننا وبين الإسرائيليين. هذا في وقت ما كان أي طرف آخر ينفّذ عمليات بعد. كنّا نصدر أحياناً نحو 3 بلاغات عن 3 عمليات في اليوم الواحد. كل يوم كانت هناك عملية أو أكثر. من خلال هذه العمليات كبرت كثيراً جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.

الحزب القومي

* حصل تنسيق مع الحزب القومي؟

- الحزب القومي لم ينفّذ عمليات. إنعام رعد (كان رئيس الحزب القومي) قال لي إنّه ذهب لعند غازي كنعان وقال له «أنت تنظم العمليات باسم الحزب القومي إذا ممكن تبلّغنا قبل ما تبلّغ الإعلام. عالقليلة خلينا نكون عارفين». ضحكت. قلت في نفسي ولماذا عليه أن يخبركم طالما أنتم سلمتم أمركم له وعملاء عنده.

* لماذا كنت ضد العمليات الإنتحارية؟

- كنت معارضاً لها وهددت بوقف ما أقوم به إذا استمرّت. كيف نقوم بعمليات إنتحارية؟ بأيّ منطق؟ هل نحن حزب ديني؟ نحن نقاتل لنحيا فلماذا ننتحر؟

* كانت «فتاوى» من جورج حاوي؟

- بتأثيره الشخصي. مع شخص آخر موجود حالياً في بلجيكا. صار عضو مكتب سياسي ولكنّه غير معروف كثيراً وكان يحابي من يعتبرهم مركز السلطة الحزبية. كان مسؤول المقاومة في البقاع الغربي. وكان من الذين ينزلون لعندي كل أسبوع. كنت أعقد اجتماعاً أسبوعياً لمسؤولي المناطق في المقاومة الساعة 2 بعد منتصف الليل لأنّه اجتماع خطير. اشتغلنا شغلاً تقنياً وكفاحياً من أرفع ما وُجِد وأروع ما حصل.

يتبع الأربعاء 3 كانون الثاني 2024

وقائع جلسة التهديد:

أنا وجورج حاوي وغازي كنعان