الدمار يعم غزة والحرب تعيد مؤشرات التنمية بالقطاع عقوداً إلى الوراء

الدمار يعم غزة والحرب تعيد مؤشرات التنمية بالقطاع عقوداً إلى الوراء

24 نوفمبر 2023
دمار المباني في غزة يعكس دماراً أكبر على الاقتصاد (Getty)
+ الخط -

بعد أكثر من شهر من القصف العشوائي الإسرائيلي، أصبح اقتصاد غزة في حالة من التردي، عادت بمؤشرات التنمية في القطاع المحاصر عقوداً طويلة إلى الوراء، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.

وحتى قبل الحرب، كانت قدرة عظم سكان غزة على الحصول على مواد غذائية وبأسعار معقولة محدودة، وكانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بحسب الغذاء العالمي، لكن الوضع أصبح الآن مأساوياً إلى أبعد الحدود، خصوصاً إذا ما علمنا أنه بعد العدوان الأخير كان حوالي 80% من سكان غزة يعتمدون على نوع ما من المساعدات الدولية.

ونقلت محطة "سي أن بي سي" الاقتصادية عن ماركو بابيتش، الشريك وكبير الاستراتيجيين في مجموعة "كلوك تاور غروب"، قوله إن "الشيء الوحيد المتبقي الآن هو المساعدات الخارجية".

ويعتمد اقتصاد غزة بنسبة 100% على مصدرين للدخل، أولهما المساعدات الخارجية، والآخر هو الوصول إلى سوق العمل في الأراضي المحتلة. وربما يكون هذا الأخير قد ذهب الآن إلى الأبد.

وقال تقرير صادر عن مركز السياسة الاقتصادية الفلسطينية برام الله، إن غزة تعيش الآن أعلى معدل بطالة عند 100%، وكان قبل الحرب عند 40%، وهو من أعلى معدلات البطالة العالمية، مع "توقف" اقتصاد القطاع فعلياً إلى أجل غير مسمى بسبب ما آلت إليه الأمور نتيجة للعدوان الإسرائيلي.

وبعد أكثر من شهر من الحرب، فقد سكان غزة ما لا يقل عن 182 ألف وظيفة، أو ما يقارب 61% من القوى العاملة، وفقا لمنظمة العمل الدولية. وتوقعت وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، وهي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن تتراجع التنمية في غزة بمقدار 16 إلى 19 عاماً، وذلك وفقاً لتقييمها بناءً على المؤشرات الاقتصادية والصحية والتعليمية.

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، ورداً على الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، قامت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس ببدء عملية نوعية تحت اسم "طوفان الأقصى"، تمثلت في الهجوم متعدد الجوانب، براً وبحراً وجواً، تسللت بمقتضاه إلى الأراضي المحتلة بمستوطنات غلاف غزة، ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 مستوطن. ورداً على ذلك، شنت قوات الاحتلال غارات جوية، وغزواً برياً، على قطاع غزة، أدت حتى الآن إلى استشهاد ما يقارب 14500 شخص في القطاع، عن طريق القصف العشوائي، الذين أجبر أيضاً الآلاف على النزوح نحو مناطق أخرى.

وقال كيفن كلودين، الاستراتيجي في معهد "ميلكن" للأبحاث في سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا، لشبكة "سي أن بي سي" الاقتصادية إنه على الرغم من أن قوات الاحتلال استولت على غزة بدءاً من عام 1967 وحتى فترة الثمانينيات، إلا أن الاقتصاد كان في حالة جيدة، استناداً إلى وجود عدد من الأشخاص المتعلمين الذين خرجوا من القطاع.

وكانت غزة تحت سيطرة مصر من عام 1948 حتى منتصف عام 1967، قبل أن تستولي عليها قوات الاحتلال مع الضفة الغربية بعد انتصارها في حرب الأيام الستة.

وقال رجا الخالدي، المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني لشبكة "سي أن بي سي" عبر الهاتف، إنه "في السنوات الخمس والعشرين الأولى من الاحتلال، كان في غزة أشخاص يعملون داخل الأراضي المحتلة، وكان لها اقتصادها المحلي الخاص". وأكد الخالدي أن غزة كانت جزءًا مهمًا من الاقتصاد الفلسطيني.

ويقول كلودين "كان سكان غزة قادرين على العمل في الأراضي المحتلة، وأيضاً في مصر والخليج وأماكن أخرى قبل 50 عاما، وكانت هناك طبقة مهنية قوية وجامعة ومطار في ذلك الوقت، ولكن مع الصراع الحالي أصبح اقتصاد القطاع في أسوأ حال، بل يكاد يكون معطلا".

ووفقاً للأمم المتحدة، شهد الاقتصاد الفلسطيني خلال السبعينيات والثمانينيات تدفقات رأسمالية قوية نسبياً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تحويلات العمال الفلسطينيين من الأراضي المحتلة أو من دول الخليج، ولكن الأمور تغيرت بعد أن حاصرت قوات الاحتلال حماس في غزة عام 2006.

وقال كلودين إن الفلسطينيين لم يخسروا العمل في إسرائيل بعد سيطرة حماس على غزة فحسب، بل تراجعت أيضًا تجارتهم مع المصريين، حيث تنظر مصر إلى حماس باعتبارها تهديدًا. أيضاً توقف تدفق الاستثمارات من الضفة الغربية، التي تحكمها السلطة الفلسطينية، إلى غزة.

ومنذ عام 2007، أصبحت غزة محاطة بجدران خرسانية وسياج من الأسلاك الشائكة، حيث فرضت إسرائيل حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على القطاع، دافعة بأن هذه الخطوة "ضرورية للحماية من هجمات المقاومة". وتصنف الأمم المتحدة حكومة إسرائيل كدولة محتلة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأدى الحصار والحروب المتكررة مع إسرائيل منذ عام 2008 إلى تفريغ اقتصاد القطاع، حيث تراجع نموه الاقتصادي الهزيل عن نظيره في الضفة الغربية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

وقال كلودين إنه على مدى تلك السنوات كان الوضع بشكل أساسي هو "لدينا فئة صغيرة جدًا من السكان لا ترى أملًا في أي شيء، ومن الصعب جدًا رؤية مستقبل اقتصادي في هذه الظروف"، على حد وصف الخبير.

ويقول ماركو بابيتش، من مجموعة "كلوك تاور" لإدارة الأصول البديلة إن "ما يصل إلى 65% من 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في قطعة الأرض التي تبلغ مساحتها 140 ميلاً مربعاً، الواقعة بين إسرائيل ومصر، تقل سنهم عن 24 عاماً، ويجب التوصل إلى شكل من أشكال الاتفاق لإنهاء هذه الحرب". لكن بابيتش يرى أنه "من المرجح أن دول الخليج والمملكة العربية السعودية ستتحملان فاتورة هذا الاتفاق لضمان استمرارية غزة في المستقبل".

المساهمون