"تراجع عام" و"صدمة".. كيف يواجه اقتصاد إسرائيل تبعات الحرب؟

الحرب تستنزف القوة العاملة في إسرائيل وسط انخفاض معدلات الاستهلاك

time reading iconدقائق القراءة - 8
قوات إسرائيلية في مكان غير محدد على حدود قطاع غزة. 19 أكتوبر 2023 - AFP
قوات إسرائيلية في مكان غير محدد على حدود قطاع غزة. 19 أكتوبر 2023 - AFP
القاهرة/ دبي-رويترز

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، ووسط احتمالات غزو بري ينذر بإطالة أمد الصراع، يبدو الاقتصاد الإسرائيلي أمام اختبار قاسٍ، تفيد مؤشراته بأن هذه الجولة من المعارك "ليست كسابقاتها".

القوة العاملة مستنزفة بين من طلبهم الجيش الإسرائيلي للخدمة في صفوف الاحتياط، وبين من يخشون خطر الصواريخ على وقع دوي صفارات الإنذار التي لا تتوقف. ويضاف إلى ذلك "شعور بالصدمة" ما يزال سائداً في المجتمع الإسرائيلي جراء هجوم حركة "حماس" المباغت، وغير المسبوق في 7 أكتوبر 2023. 

كل هذه المعطيات مجتمعة تسهم في تحديد حجم التكلفة التي سيتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة للحرب.

تكلفة مختلفة

ومن المتوقع أن تكون هذه التكلفة مختلفة عن أي شيء آخر تعرض له الاقتصاد منذ عقود؛ فقد توقفت، منذ أيام، الرافعات التي تنتشر في أفق تل أبيب بعد أن أغلقت المدينة مواقع البناء. وأفاد تقرير صناعي أن هذه المواقع أُعيد فتحها، هذا الأسبوع، في ظل إرشادات أكثر صرامة لضمان السلامة، لكن توقف النشاط في هذا القطاع وحده يكلف الاقتصاد ما يقدر بنحو 150 مليون شيكل (نحو 37 مليون دولار) يومياً.

وقال راؤول ساروجو، رئيس جمعية "بناة إسرائيل": "هذه ليست ضربة للمقاولين، أو رجال الصناعة وحدهم.. إنها ضربة لكل أسرة في إسرائيل".

وكان اقتصاد إسرائيل، وحجمه نحو 500 مليار دولار، ويشهد تطوراً في قطاعي التكنولوجيا والسياحة، سليماً معافى على مدار معظم عام 2023. وكان النمو في طريقه للوصول إلى ثلاثة بالمئة هذا العام مع انخفاض البطالة.

لكن مع احتمال حدوث غزو بري وشيك لغزة، واحتمال تحوّل الحرب إلى صراع إقليمي، أصبح الإسرائيليون يتحصنون بالمخابئ، وتراجع إنفاقهم على كل شيء باستثناء الغذاء. وحذرت وكالات التصنيف بالفعل من أنها "قد تُخفِّض تقييمها للجدارة الائتمانية لإسرائيل".

استدعاء جنود الاحتياط

وتم استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط في الجيش، ما تسبب في فجوة كبيرة في القوى العاملة، وتعطيل سلاسل التوريد من الموانئ البحرية إلى متاجر التجزئة، في حين يقوم تجار التجزئة بإعطاء إجازات للموظفين. وانخفضت قيمة الشيكل. وأدى الصراع أيضاً إلى وقف حركة آلاف العمال الفلسطينيين من غزة إلى إسرائيل، وتقليص تدفقهم من الضفة الغربية المحتلة.

وكانت السلالم المتحركة، والممرات في مركز التسوق الرئيسي في مدينة القدس خالية خلال الأسبوعين الأولين من الحرب، على الرغم من عودة الزبائن ببطء. وقال نتانيل شراجا، مدير متجر كولومبيا للملابس الرياضية: "هناك انخفاض كبير في الحركة والتنقل".

أضاف شراجا أن بعض موظفيه تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية، أما البعض الآخر، فيشعرون بخوفٍ شديد من القدوم إلى العمل.

ضربة للسياحة وقطاع التكنولوجيا

وأصبحت الفنادق نصف ممتلئة بالإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية، وباقي الغرف فارغة في أغلب الأحيان. لكن ما زال العمل مستمراً في المصانع، حتى تلك القريبة من غزة، لكن هناك مشكلة على الدوام تتعلق بعدم كفاية سائقي الشاحنات الذين يقومون بأعمال التسليم المنتظمة.

وانخفضت مشتريات بطاقات الائتمان بنسبة 12 بالمئة، الأسبوع الماضي، مقارنة بالفترة نفسها قبل عام، مع انخفاضات حادة في القطاعات جميعها تقريباً، باستثناء الارتفاع الكبير في التسوق بمتاجر التجزئة.

وتتعرض صناعة التكنولوجيا الفائقة، التي ازدهرت خلال جائحة كورونا، لصعوبات. وعادة ما تمثل هذه الصناعة 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونصف إجمالي الصادرات.

وقال باراك كلاين، المدير المالي بشركة "ثيتاراي للتكنولوجيا المالية": "تنخفض الإنتاجية بشكل كبير، لأنه من الصعب التركيز على العمل اليومي عندما تكون لديك مخاوف تتعلق بوجودك".

وتم تجنيد 12 من موظفي الشركة الثمانين المقيمين في إسرائيل ضمن قوات الاحتياط. وآخرون لديهم أطفال بقوا بالمنازل بدلاً من الذهاب إلى المدارس. ولا يزال الخوف المستمر من إطلاق الصواريخ قائماً.

وأنشأت "ثيتاراي" مركزاً للرعاية النهارية للموظفين الذين يحتاجون إلى اصطحاب أطفالهم معهم، واعتمدت على مكاتبها في الخارج لتحمل بعض أعباء العمل.

وقال إريل مارجاليت، الذي يُعد صندوق رأس المال الاستثماري التابع له (جيه.في.بي)، أحد أكثر الصناديق نشاطاً في إسرائيل، إنه يتنقل بين اجتماعات مجلس الإدارة، ويستمع إلى خطط مختلفة لاستمرارية الأعمال. وأضاف أنه "يجب طمأنة المستثمرين".

وقال درور بن، الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية التي تمولها الدولة، إنه تم استدعاء ما يُقدّر بنحو 10 إلى 15 بالمئة من القوى العاملة في مجال التكنولوجيا الفائقة للخدمة في صفوف قوات الاحتياط.

وأضاف: "نحن على اتصال بمئات من شركات التكنولوجيا، خاصة مع كون المشروعات في المراحل المبكرة"، موضحاً أن العديد منها في منتصف دورة التمويل، وبدأت أموالها في النفاد.

وبهدف تقديم المساعدة، أنشأت هيئته صندوقاً بقيمة 100 مليون شيكل (نحو 25 مليون دولار) لمساعدة 100 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا على الصمود في وجه العاصفة.

وأنشأت وزارة الاقتصاد غرفة عمليات في وقت الحرب، ووجهت نداءً للمساعدة. وتطابقت قاعدة بياناتها، حتى الآن، مع ما لا يقل عن 8550 شخصاً بالشركات المتعثرة. وعندما تعرض مركز لوجستي لسلسلة متاجر كبرى لضغوط شديدة، تم إرسال 38 شخصاً لملء الفراغ في نوبة العمل الليلية.

ووعدت الحكومة الإسرائيلية "بعدم وضع حدود" للإنفاق على تمويل الحرب، وتعويض الأسر والشركات المتضررة، وهو ما يعني عجزاً أكبر في الميزانية، ومزيداً من الديون.

"أزمة نفسية"

وقد لا تكون صراعات الماضي دليلاً صحيحاً لمسار الاقتصاد؛ فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 0.5 بالمئة في الحرب التي استمرت 34 يوماً مع جماعة حزب الله اللبنانية، المدعومة من إيران، في عام 2006، مع انخفاض الصادرات وتباطؤ التصنيع، لكن التعافي الذي أعقب ذلك جاء سريعاً.

ويقول المسؤولون إن ما يحدث اليوم "أمر مختلف".

ومن هؤلاء ليو ليدرمان، كبير المستشارين الاقتصاديين لبنك "هبوعليم"، أحد أكبر البنوك في إسرائيل، الذي يرى أن هناك "أزمة نفسية" لدى الجمهور الإسرائيلي، وأن تأثيراتها السلبية بدأت بالفعل.

وأضاف: "سيقلل الناس الإنفاق الاستهلاكي بسبب حالة عدم اليقين والأجواء" السائدة. وبما أن هذا النمط من الإنفاق يمثل أكثر من نصف النشاط الاقتصادي، فقد يكون الضرر الذي يلحق بالاقتصاد كبيراً.

وقال مسؤول كبير بوزارة المالية الإسرائيلية لـ"رويترز": "استطاعت إسرائيل أن تتعافى من كل الأعمال القتالية الأخيرة.. يبدو أن هذا حدث أكثر إثارة، رغم أنه من المبكر جداً التأكد من ذلك".

وقلّص بنك إسرائيل المركزي، الاثنين، تقديراته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3 بالمئة انخفاضاً من ثلاثة بالمئة وإلى 2.8 بالمئة هبوطاً من ثلاثة بالمئة لعام 2024، على افتراض احتواء الحرب في غزة. ويتوقع محافظ البنك، أمير يارون، الذي يعارض خفض أسعار الفائدة حالياً، حدوث انتعاش.

وقال يارون: "لقد عرفنا كيفية التعافي من خلال الفترات الصعبة في الماضي و(عرفنا كيفية) العودة إلى الرخاء سريعاً.. ليس لدي أدنى شك في حدوث ذلك هذه المرة أيضاً".

تصنيفات

قصص قد تهمك