صيدا سيتي

هيثم زعيتر | العلامة النابلسي.. سر عشق فلسطين

صيداويات (أخبار صيدا والجوار) - السبت 15 تموز 2023 - [ عدد المشاهدة: 1186 ]
X
الإرسال لصديق:
إسم المُرسِل:

بريد المُرسَل إليه:


reload
هيثم زعيتر | العلامة النابلسي.. سر عشق فلسطين

أوّل من أصدر فتوى عبر «اللواء» بدخول «حزب الله» الحكومة

يرتبطُ اسم العلامة الشيخ عفيف النابلسي بجبل عامل ارتباطاً وثيقاً، بكل ما للكلمة من مدلولات ومآثر.

لأن جبل عامل ليس منطقة جغرافية فقط، بل مخزون ديني مُتنوع، إسلامي وحدودي، ومسيحي تعايشي، وهو نموذج مُصغر عن لبنان.

جبل عامل، الجبل الأشم المُتداخل مع فلسطين، ما قبل "سايكس - بيكو" والتقسيم ونكبة العام 1948، لذلك كان تقارب العادات والتقاليد، والوجهة الجنوبية كانت دائماً نحو جنوب الجنوب، إلى فلسطين.

فلسطين التي وعى عليها الشيخ عفيف في منزل والده الحاج محمّد "أبو حسن"، قبل النكبة، واستمرت معها مُلازمة في مُختلف مراحل حياته، فبقيت معشوقته التي ناضل لأجلها كيفما استطاع، رجل دين، ومرجع روحي، فجنَّد عَلاقاته في خدمة القضية بالعمل على التواصل مع أبنائها، وتوطيد العلاقات بين قواها، وتذليل العقبات في بعض الملمات، وصولاً إلى إصدار فتوى بجواز دفع الزكاة والخمس دعماً للقضية الفلسطينية.

علاقة الشيخ عفيف بفلسطين، لم تكن طارئة أو ظرفية ومرحلية، بل لها جذور، عشتُ تجربتها، بعدما سمعت عنها، فتلمستُ ذلك بشكل واقعي مع العلامة العلم.

حكايةٌ لم تكن تقتصر على سنوات قليلة، بل تمتد إلى جذور العائلة، وتعود إلى أكثر من قرنٍ من الزمن.
مع الحرب العالمية الأولى، والمجاعة في لبنان عام 1915، وصلت إلى بلدة أجدادي لوبية - قضاء طبريا في الجليل الفلسطيني، امرأة مع طفلها، فعادت أمانة الوالدة إلى بارئها، وبقي الطفل ابن السنوات الـ5 يتيماً، ولم يكن يحفظ إلا اسمه، محمّد النابلسي، ومن بلدة البيسارية، دون أن يعرف أين تقع!

عهد جدي دمعون، بالطفل اليتيم وربّاه لسنواتٍ إلى أن أصبح شاباً وقوي عوده، وأصبح أكبر أفراد الأسرة، ويتولى الإشراف على العمال والمُزارعين.

استمر جدي بالبحث عن مسقط رأس الطفل محمّد، إلى أن تمكن، خلال ترحاله، من معرفة سكن العائلة في بلدة البيسارية ما بين صور وصيدا، فقرر الشاب العودة، بعد أن ترك له حرية الرجوع إلى لوبية حيث أترابه.
عاد الشاب محمّد في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، إلى بلدته البيسارية، التي كانت عبارة عن منازل قليلة، تزوَّج وبدأ حياته ورُزق بولدين: حسن وعفيف، الذي أبصر النور في العام 1941، وكان الأصغر.

بعد نكبة فلسطين، كان الحاج "أبو حسن" وولديه حسن وعفيف يزورون أبناء العمومة الذين لجأوا إلى مُخيم عين الحلوة.

منذ نعومة أظفاره درس الفتى عفيف في القرية، وبدأ يحفظ القرآن الكريم، لكن شغفه بالمطالعة جعل منه يمضي وقتاً طويلاً في قراءة الكتب وحفظها بسرعة، مُتجاوزاً القرية إلى الجوار، مُستعيراً إياها من المُتعلمين، ومن كان يهتم بالقراءة واقتناء الكتب.

تمكّن من حفظ القرآن الكريم، ومن بلاغة إتقان آداب وقواعد اللغة العربية، وإلقاء الكلمات والمواعظ في المُناسبات العامة، مع نظم قصائد شعرية بالعامية والفُصحى.

مُنذ أن وصل الإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان، في بداية ستينيات القرن الماضي، بدأ تأثر الشيخ عفيف به بشكل كبير، فالتحق بـ"معهد الدراسات الإسلامية"، الذي كان قد أسَّسه الإمام الصدر في صور، حيث وجد ضالته داخله، مُتعرفاً على المعارف، ومُتمماً الدراسة على يدي الإمام الصدر، السيّد هاشم معروف الحسني والشيخ موسى عز الدين.

أصبح الشاب المُتفوِّق يُرافق الإمام الصدر في محطات تبليغية، ما أكسبه خبرة في الكثير من المجالات.

شجعه الإمام الصدر على التوجه إلى النجف في العراق، لمُتابعة الأبحاث العالية، حيث وصل إلى المرجع السيّد محمّد باقر الصدر، في أواخر ستينيات القرن الماضي، مصحوباً بتوصية خاصة من الإمام الصدر.

اهتم المرجع الصدر بالوافد الجديد، فنهل ما استطاع من علم، إلى أن تمّ سجنه في العراق وأُبعد إلى لبنان، في سبعينيات القرن الماضي.

بعد عودته عمل على تدريس الدين في مناطق عدة من لبنان.

كما امتاز بالخطابة والمُحاضرات والخُطب، وقام بتأسيس "هيئة عُلماء جبل عامل" التي ترأسها، وكان لها دور في تشجيع العلماء واحتضانهم وتوجيههم ودعمهم.

استحوذت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني، على اهتمام العلامة النابلسي، الذي كان في طليعة الداعمين والمُبشرين بأفكارها.

أقام في منطقة حارة صيدا بين العامين 1980-1982، لكن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، انتقل إلى بيروت.
ركَّز على دعم المُقاومة في مُواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقاد إلى جانب الشيخ راغب حرب الانتفاضات والاعتصامات الشعبية في مُواجهة المُحتل.

كان في طليعة المُشاركين بتأسيس "حزب الله" وله تأثير فاعل داخله.

بعد تحرير صيدا في شباط/فبراير 1985، عاد إلى منطقة الغازية حتى العام 1989.

مُنذ العام 1993 اتخذ من مدينة صيدا مُنطلقاً لنشاطه بإقامة "مُجمع السيدة فاطمة الزهراء" (ع).

خلال العدوان الإسرائيلي، الذي انطلق ضد لبنان في مثل هذه الأيام قبل 17 عاماً (يوم الأربعاء في 12 تموز/يوليو 2006)، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها جواً وبحراً وبراً.

بعد أيام من انطلاق العدوان، وصل العلامة النابلسي إلى دارتي في حارة صيدا، فتأمنت له الإقامة الآمنة لأيامٍ عدة، في رحلة تنقله من مكان إلى آخر، خشية تعرُّض "مُجمع الزهراء" في صيدا للعدوان، وهو ما تمّ يوم الأحد في 23 تموز/يوليو 2006، بشن طائرات العدو 3 غارات، أدت إلى تدمير المُجمع بشكل كامل وتسويته بالأرض، والقضاء على مكتبة العلامة النابلسي التي تضم أكثر من 20 ألف كتاب، ولم تسلم إلا قبّة المسجد.

استمر تنقل العلامة النابلسي بين منطقة وأخرى، ونجا من غاراتٍ عدة نفذتها طائرات الاحتلال في أماكن تنقله، إلى أن عاد إلى صيدا بعد وقف العدوان صباح يوم الاثنين في 14 آب/أغسطس 2006، وكان المُجمع مُدمراً، حيث أُعيد بناءَه بحلةٍ جديدة.

وكان العلامة النابلسي قد نجا من مُحاولات اغتيال عدة.

أصدر العلامة النابلسي فتاوى عدّة، وكان أوّل رجل دين يُصدر فتوى يحث فيها "حزب الله" على الدخول في الحكومة "بعدما ثبت لدينا بالوجه الشرعي أن ذلك ليس فيه أي خروج عن العُروة الوثقى".

جاء تفجير "القنبلة الفتاوئية" في حوارٍ نشرته يوم الأربعاء في 22 حزيران/يونيو 2005 في جريدة "اللـواء" الصفحة الـ14.

كان ذلك أول موقف مُتقدِّم، وفتوى جريئة، بعد تداعيات زلزال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، يوم الاثنين في 14 شباط/فبراير 2005.

لم تقتصر الدعوة التبليغية للعلامة النابلسي على لبنان، بل قصد بلداناً عربية وإسلامية وأجنبية مُشاركاً في مُؤتمرات وندوات، تُؤكد على تعاليم الإسلام وتسامحه وتعايشه مع الرسالات السماوية.

أولى التأليف كل اهتمام بإصداره عشرات المُجلدات والكتب، فضلاً عن الأبحاث التي تنوَّعت بين الدينية والشعر الذي أبدع فيه.

عانى العلامة النابلسي من مشاكل في القلب، وأمراض مُستعصية، تحمَّل آلامها بصبرٍ، كما أصيب بفيروس "كورونا"، وتمكن من التغلب عليه، لكن ترك تداعيات وبائه عليه.

اتصف بدماثة خلقه وورعه، وثقافته التي تميَّز بها بين أقرانه بإبداعه، وإلقائه ونظمه القصائد بالفصحى والعامية، وحفظ ألفية ابن مالك، ليس بالشكل الطبيعي، بل أيضاً بشكل مقلوب.

في مجالسه يأسر المُشاركين بحديثه المُتناسق، المُدعم بالأدلة والبراهين، ما يجعله مُقنعاً ومُؤثراً بمن يسمعه.
صاحب وجه بشوش، لا تُفارق الابتسامة ثغره، ما يزيد على الجلسات من أجواء الاطمئنان والسكينة.

صفاتٌ مُتعددة زاد عليها مما اكتسبه في مسيرة حياته، ما وسّع دائرة علاقاته في أصقاع المعمورة.

يرحل تاركاً إرثاً وذرية صالحة، ليُوارى الثرى في المكان الذي أحب وأشاد فيه صرحاً دينياً وثقافياً.

المصدر | هيثم زعيتر - اللواء 


 
design رئيس التحرير: إبراهيم الخطيب 9613988416
تطوير و برمجة:: شركة التكنولوجيا المفتوحة
مشاهدات الزوار 980998855
لموقع لا يتبنى بالضرورة وجهات النظر الواردة فيه. من حق الزائر الكريم أن ينقل عن موقعنا ما يريد معزواً إليه. موقع صيداويات © 2024 جميع الحقوق محفوظة