ماذا بعد تعاميم سلامة: ضبط للسوق أم سعر صرف متفلت؟
أفضى استحقاق الإنتخابات النيابية الى نتائج غير مطمئنة لكلا المعسكرين السياسيين. فليس في إستطاعة أي من الفريقين المتواجهين سياسيا الحسم والحصول على أغلبية نيابية تسمح بالتحكم باللعبة السياسية، وهذا ما تكشف في المشاورات الجارية لانتخاب رئيس للمجلس النيابي ونائب له والذي سوف يتظهر اكثر في تكليف رئيس جديد للحكومة مع اتضاح مشهد التكتلات النيابية وتوجهاتها السياسية
.سرعان ما بدأت الأزمات المخبأة بعد 15 أيار تطفو على السطح وظهرت بوادر عدم الاستقرار السياسي الناتجة عن إنعدام الثقة بين الافرقاء كافة. وفيما تتجه الانظار الى استحقاق يوم الثلاثاء في ساحة النجمة، فإن تطورات سعر صرف الدولار طغت على ما عداها من أزمات لاسيما وانها ترافقت مع ارتفاع في الاسعار، فدخلت البلاد مجددا مرحلة التفلت النقدي السريع بفعل المضاربة اليومية، حيث ان الدولار قد يرتفع سريعا وقد يهبط بنسب مماثلة.
لا شك أن الترقب كان سيد الموقف لمرحلة ما بعد الانتخابات للتهافت على شراء الدولار ربطا بالتحذيرات التي اطلقت عشية الانتخابات من خبراء اقتصاديين وسياسيين كانت اشبه بجرس انذار بأن الدولار سوف يرتفع بعد 15 ايار. فتهافت عدد كبير من اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية الى شراء الدولار لحماية أنفسهم من تقلبات الصرف والأسعار. وترافق ذلك مع دور التطبيقات السوداء التي تعمدت رفع سعر الدولار بشكل سريع ودراماتيكي تجاوباً مع الطلب المعلوم من قبل المواطنين، والمجهول من قبل جهة ما كانت تعمد الى جمع الدولار يومياً من السوق الموازية حتى لو بأسعار تفوق السعر المتداول به. وهكذا أخذ دولار السوق الموازية مساره التصاعدي حتى وصل الى حدود 39000 ليرة من دون قدرة أي من الأجهزة الرسمية أو الأمنية على المبادرة والتصرف للجم تصاعد السعر أو تفلته، الى حين ان سعر الصرف سريعا هبط مع اصدار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتعميمين يسمحان للبنانيين بالحصول على الدولار من المصارف وفق سعر صيرفة، الا ان التحدي الاساسي يكمن في قدرة المصرف المركزي على الاستمرار في ضخ الدولارات.
لطالما شكلت تعاميم مصرف لبنان السبيل الوحيد المتاح لمعالجة ما أمكن، يقول الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ"لبنان24". لكن تبقى الأمور ظرفية إذا لم تقترن بسياسة مالية واضحة ودعم من السلطة السياسية إذا لم نقل تبنيا لها. فغياب القرار الواضح من السلطة السياسية يجعل التعاميم اداة مؤقتة غير نهائية ينتظر المتضررون منها الفرصة المناسبة للانقضاض عليها، وهذا ما جعل سعر صرف الدولار يتأرجح صعوداً ونزولاً رغم وجوب تطبيق هذه التعاميم التي تمنعت مصارف محددة وصيارفة عن تطبيقها كاملةً . والملفت، بحسب علامة، أن تفلت سعر الصرف وإرتفاع سعر الدولار حصل في وقت ما زال المصرف المركزي يعمل على تطبيق منصة صيرفة ويحدد سعر الدولار من خلالها يومياً.
لم يعد أمام حاكم مصرف لبنان المتروك وحيداً ، بحسب علامة، اي سبيل للمعالجة سوى إصدار بيان تجديد للتعميم 161 والذي دعا فيه اللبنانيين الى التوجه الى المصارف للحصول على الدولار بسعر منصة صيرفة. فقد أتى بيان تجديد التعميم بمثابة الفرصة التي التقطها الحاكم خاصة بعدما احتسب حجم السيولة بالليرة اللبنانية والتي تعتبر غير كافية للاستمرار بالضغط على سوق القطع. وهذا الأمر أوجد موجة عكسية من انعدام الثقة بسعر الدولار افضت الى تراجع سعر الصرف بمعدل 12000 ليرة تقريباً بانتظار الأيام الثلاثة التي شملها تجديد التعميم في بيان الحاكم. فإذا استطاع مصرف لبنان تغطية المطلوب من الدولارات عندها سيتمكن من ضبط السعر وإعادته الى ما كان عليه قبل الإنتخابات، أما إذا لم يستطع فعلى الليرة اللبنانية السلام وستنضم منصة صيرفة الى سابقاتها من أدوات السوق غير النافعة، يقول علامة.
والاكيد بحسب الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة، أن الأسبوع الحالي هو اسبوع مصيري لتسوية الاوضاع المالية فإما ينتهي الأمر الى ضبط السوق أو الذهاب الى المجهول بسعر صرف متفلت ودولار غائب وأسعار جنونية وفقدان للسلع الأساسية، وطبعاً هذا الأمر سينعكس على الإستحقاقات المصيرية سواء لناحية تشكيل حكومة جديدة أو لناحية إنتخاب رئيس جديد . والحل الوحيد المتاح حالياً والضروري لرأب الصدع وتجنب الأسوأ، هو تشكيل حكومة مهمة تذهب الى إقرار وتنفيذ خطة تعافي مالي قائمة على المحاسبة ومرفقة بالاصلاحات الضرورية على الصعد كافة لإنقاذ لبنان .
المصدر| لبنان 24
الرابط| https://tinyurl.com/ycx4kp8x