رئاسة المركز التربويّ: عويجان راجعة والتعيين بالتكليف مستمرّ!
بحجة عدم التسلّم الرسمي، لم يتخذ وزير التربية عباس الحلبي أي إجراء بشأن القرار القضائي بإعادة ندى عويجان إلى رئاسة المركز التربوي، في حين يتمسك التيار الوطني الحر بعودة «رد الاعتبار» بالحد الأدنى. والمفارقة أن الصراع بين القوى السياسية هو على «التكليف» الذي يُبقي المركز «المستقل» موقعاً وظيفياً زبائنياً تحت إمرة الوزير، علماً أن لا مانع قانونياً وموضوعياً لتعيين رئيس بالأصالة في مجلس الوزراء
صدر القرار النهائي لمجلس شورى الدولة في ما يخص الطّعن الذي قدّمته الرئيسة السابقة للمركز التربوي للبحوث والإنماء، ندى عويجان، ضدّ قرارات وزير التربية السابق، طارق المجذوب، بإلغاء تكليفها برئاسة المركز، وبتكليف شخص آخر هو جورج نهرا لتولّي هذه المهمة. وقد حكم القرار بأن للمستدعية صفة ومصلحة للطعن وأبطل القرارات المطعون فيها ومنها تكليف نهرا. في المقابل، أقر القرار بعدم قانونية تكليف عويجان، المحسوبة على التيار الوطني الحر، في عام 2015 من وزير التربية السابق الياس بو صعب، لكن من دون أن يُبطل هذا التكليف.
وكان إنهاء المجذوب تكليف عويجان جاء بعد اشتباك بينه وبينها حول التحكم بمفاصل القرار التربوي والنزاع على ملفات تنطوي على هدر مالي، مثل المنصة الإلكترونية (الخلاف على مرجعيتها بين الوزارة والمركز)، وتعاقد المركز مع مستشارين بأجور مرتفعة وتجديد هذه العقود – رغم رفض الوزير – بفتاوى معينة، ومنها ما وُقّع الجمعة 8 شباط 2019، إذ بقيت عويجان وفريقها في مقر المركز حتى وقت متأخر من الليل. من ناحية كان المجذوب يرى أن عويجان تتجاوز صلاحياتها وتتصرف وكأنها الوزير ولا تعير اعتباراً له.
الوزير لم يتسلّم؟
بالرغم من مرور 13 يوماً على صدور القرار، إلا أن جورج نهرا لا يزال يداوم في المركز ويوقّع على كل المعاملات، إذ لم يصدر بعد أيّ قرار أو تدبير عن وزير التربية عباس الحلبي، الذي تقول مصادره إنه لم يتسلّم رسمياً القرار حتى الآن والأمور لا تزال «معلّقة»، علماً أن القرار الصالح للتنفيذ صار في قلم الوزير في 16 الجاري، وعلى طاولته في 18 الجاري، أي يوم الجمعة الماضي. هل يتذرّع الحلبي بعدم تسلّم القرار للهروب من تطبيقه، بالنظر إلى الجدل القانوني المثار حوله؟ وهل يستطيع تجاهل القرار؟ وما علاقة ذلك بما صرّحه البطريرك بشارة الراعي، قبل أيام، وبعد زيارة نهرا له، حين قال إننا «حريصون على أن لا يفتح قرار مجلس شورى الدولة بشأن المركز التربوي للبحوث والإنماء باباً للدخول في دوامة صراع جديد على رئاسة المركز، وقد يكون ذلك مدخلاً للبعض كي يتلاعبوا بمناهجنا اللبنانية».
في الواقع، يبدو أن هناك إصراراً على الحماية السياسية لهذا الموقع ورفض أي محاولة للتغيير بعيداً عن رأي المرجعية السياسية لمن يترأسه. وتتقاطع المعلومات حول شدّ حبال في ما يخص المركز، الذي يستعد في المرحلة المقبلة لتطوير المناهج التربوية بتمويل من البنك الدولي وما يرتبط بذلك من انتفاع مادي وشخصي وسياسي، إضافة إلى الحفاظ على المصالح المتأتّية من إبرام العقود لموظفين بعدما تحول المركز في السنوات العشرين الماضية، إلى موقع وظيفي زبائني، وتخلى عن مهمته كعقل مخطّط يُهندس السياسات التربوية.
ويتخوّف متابعون من أن يكون سبب تردّد الوزير في إعادة عويجان إلى مركزها رغبته في أن يبقى رئيس المركز ضعيفاً ما يتيح له تمرير معاملاته الخاصة، بالإضافة إلى عدم رغبته نفسه بكسر الجرة مع التيار الوطني الحر، لذا طلب من التيار تسمية أشخاص آخرين محسوبين عليه لتولي المنصب بالتكليف أيضاً، إلا أن الأخير رفض هذا الطرح قبل تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة الذي أنصف عويجان، وبالتالي عودتها إلى مركزها من باب ردّ الاعتبار، وبعد ذلك لكل حادث حديث. علماً أن التيار لا يوفر فرصة إلا ويحاول فيها أن يطرح اسم عويجان، كما حصل أخيراً من خلال ترشيحها كمفوّض حكومة في مجلس الجامعة اللبنانية في المفاوضات التي كانت تجري لتعيين عمداء أصيلين لكليات الجامعة اللبنانية. وكان المكتب التربوي في التيار أعلن في وقت سابق، أي عند اتخاذ المجذوب قراراً بإقالة عويجان، أنه سيدعم إصرار الأخيرة على المضي في الملف حتى النهاية، لجهة رفع الدعاوى أمام النيابة العامة ومجلس شورى الدولة.
التعيين بالأصالة
بغضّ النظر عن نوايا الوزير، الذي لا يملك خيار عدم تنفيذ القرار بعد تسلّمه، يبقى السؤال عن المانع القانوني والموضوعي الذي يحول دون تعيين رئيس بالأصالة في مجلس الوزراء، سوى المحافظة على المحاصصة وتوزيع المكاسب بين القوى السياسية. أين مصلحة التربية في كل ذلك؟ ألا يستحق مشروع تطوير المناهج كمنعطف تربوي وطني بهذا الحجم أن يقوده أصحاب كفاءة تربوية وإدارية، بدلاً من تسليمه لأشخاص لا علاقة لهم بالتربية وآخرين متّهمين بارتكابات وقضايا فساد.
ورغم أن أكثر من نصف موظفي الفئة الأولى في الإدارة العامة هم مكلّفون، إلا أن التكليف حالة غير قانونية، بحسب ما تنص عليه المادة 49 من المرسوم الاشتراعي 112/1969 (قانون الموظفين) التي تحظر أي حالة أخرى غير حالات الأصالة والوكالة والانتداب. ثم إن سلطة تعيين رئيس المركز هي لمجلس الوزراء وليست للوزير.
الحكم قاسٍحاولت «الأخبار» التواصل مراراً مع الوزير المجذوب للوقوف على موقفه من قرار مجلس شورى الدولة، إلا أنه اعتبر أن الرأي الذي أعدّه محاميه نزار صاغية يمثله ويعكس موقفه. يقول صاغية: «إن القرار متناقض مع نفسه، لكونه يلغي تكليف نهرا ويُبقي على تكليف عويجان، علماً أن تكليفها حصل بالطريقة نفسها، وكان أخطر بكثير لكونه أتى من قريبها الوزير بو صعب، بما ينطوي ذلك على تضارب مصالح وصرف نفوذ، إضافة إلى أن عام 2015 لم يشهد ظروفاً استثنائية كتلك التي شهدتها ولاية المجذوب لجهة تحديات العودة إلى التعليم الحضوري وانفجار 4 آب».
ووفق صاغية، ثمّة قسوة غير اعتيادية ضد المجذوب لدرجة اتهامه بالانحراف وتجاوز حد السلطة لا نعثر عليها في الأحكام الأخرى لمجلس شورى الدولة، في حين أنه ليست هناك صفة لعويجان لرفع الدعوى، باعتبار أن التكليف لا يولد حقاً مكتسباً لأحد. وبحسب المادة 106 من قانون مجلس شورى الدولة، يجب أن يكون لرافع الدعوى مصلحة مشروعة، وبالتالي إعطاء عويجان إمكانية أن تدّعي أمراً سيئاً، ويعني أن مجلس شورى الدولة يسمح لأصحاب مصلحة غير مشروعة بالادّعاء.
المصدر| فاتن الحاج - الأخبار
الرابط| https://tinyurl.com/2fb893z4