سلفة الكهرباء معلّقة على "روائح الصفقات"
لا يبدو طلب سلفة الكهرباء المدرجة في المادة 13 من "فرسان" مشروع موازنة 2022 أمراً غريباً في الشكل. فلطالما مررت الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة سلفات خزينة مماثلة من دون التدقيق الفعلي في أوجه صرفها. لكن في المضمون الوضع اليوم مختلف، ليس بسبب قيمة السلفة طويلة الأجل التي تصل إلى 5250 مليار ليرة فحسب، إنما لمخالفتها أبسط متطلبات إصلاح القطاع.
وعلى الرغم من تضمين المادة 13 من مشروع الموازنة بوضوح أسباب طلب السلفة وهي: تسديد عجز شراء المحروقات، وتسديد فوائد وأقساط القروض لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، فان أحداً من الوزراء لم يتجرأ للحظة على الموافقة أو الرفض. وما التبريرات المضافة المطلوبة إلا لإيهام الرأي العام أنهم يقومون بدورهم الرقابي والاصلاحي على أكمل وجه قبل الموافقة المتوقعة. فما يحصل مع هذا القطاع "يشبه كل الممارسات السابقة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم"، يقول عضو مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان المهندس طارق العبدالله، و"الغريب أن يتم طلب سلفة بهذه القيمة من قبل وزارة الطاقة في الوقت الذي لم تقدم فيه المؤسسة المعنية، أي الكهرباء، لغاية اليوم الموازنة السنوية للعام 2022. ولو أن تضمين موازنتها سلفة كما جرت العادة أمر ليس بمستبعد".
المبررات التي تسوقها وزارة الطاقة قد تبدو للوزراء الذين يدرسون الموازنة منطقية، فالحجة هي أن تأمين بين 8 و10 ساعات تغذية يتطلب تمويلاً كبيراً، وهذا التمويل إما يؤمن من خلال رفع التعرفة بنسب كبيرة تعمق انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، وإما إبقاء التعرفة معقولة وتعويض الفرق من سلفة الخزينة. إلا أن الطامة الكبرى بحسب العبدالله هي "استمرار حالة الانكار وعدم معالجة أسباب أزمة الكهرباء الحقيقية المستمرة منذ سنوات. فالمشكلة ليست في الانتاج إنما في التوزيع. وطالما لا نعالج نسب الهدر المرتفعة جداً، فان زيادة الكمية الموضوعة على الشبكة والسلفة المعطاة لتمويلها ستضيعان كما ضاعت مليارات الدولارات قبلهما، من دون أن نصل إلى نتيجة".
في المقابل فان الانتهاء من سبب المشكلة الرئيسي المتمثل بالهدر يتطلب حلاً من إثنين:
- ضرب الدولة بيد من حديد وإزالة كل التعديات عن الشبكة وتحصيل المتأخرات. وهذا أمر مستبعد، لانه ببساطة لا توجد دولة.
- إزاحة عبء التوزيع عن كهرباء لبنان وتلزيمه للقطاع الخاص. حيث تقوم الشركات الخاصة بشراء كميات الجهد العالي high voltage بسعرها الحقيقي من كهرباء لبنان وتتكفل بتوزيعها وجبايتها من المواطنين. وهذا الأمر يخفض الهدر من 40 في المئة إلى 5 في المئة فوراً.
المطلوب إذاً ليس سلفة للكهرباء، إنما "وضع الإصبع على الجرح، والبدء أقله بأولى الخطوات الإصلاحية المتمثلة بالهيئة الناظمة"، برأي العبدالله، "فمن الخطأ مقاربة أزمة الكهرباء بالعقلية القديمة نفسها مع بعض مساحيق التجميل التي لا تهدف إلى أكثر من تأمين القليل من الساعات وصولاً لتاريخ الانتخابات النيابية، وتوقع نتيجة مختلفة".
في الوقت الذي تحاول فيه وزارة الطاقة ارتداء ثوب الاصلاح، تفوح رائحة الصفقات الفاسدة من كل حدب وصوب. فقد علم أن وزير الطاقة وليد فياض رد دفتر شروط صفقة اليد العاملة الداعمة الذي لزمته كهرباء لبنان لشركة غالب مراد، بسبب ما يسميه طلب الاتحاد العمالي العام، وقيام المؤسسة بترسية الصفقة ووضع دفتر الشروط على قياس الشركة المتعهدة بهدف اقصاء المنافسين، علماً أن المياومين في مؤسسة "كهرباء لبنان" يعملون مع مؤسسة "لينا متى"، منذ العام 2014 التي تستحوذ على الصفقة باسم "مؤسسة متى".
وكان وزير الطاقة وليد فياض قد طلب من مجلس الوزراء الاستمرار في تمديد الصفقة الا ان معارضة رئيس مجلس الوزراء اجبرت الوزارة على تكليف مؤسسة كهرباء لبنان باجراء المناقصة بعد تمديد استمر لسنوات. ومن جهة أخرى تظهر تقارير متداولة أن الفيول المستورد يحتوي على نفايات كيميائية محظورة. حيث يشير تقرير شركة مصنعة للمحركات ان الشحنات الأخيرة للفيول لا تتطابق مع مواصفات الشراء والمصنع ISO 8217. فهل من يتحرك ويقضي على هذه الأحادية من الوزير التي تشل القطاع من خلال رفع يده وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع.
المصدر | خالد أبو شقرا - نداء الوطن
الرابط | https://tinyurl.com/2p8ne4px