موجة الهجرة تهدّد بتفكّك أُسريّ
تحدٍّ جديد تفرضه الأزمة الاقتصادية مع تزايد عدد هجرة «أرباب الأُسر» لتأمين حياة «أشبه بالحياة» لعائلاتهم، تاركين إياها في عهدة الأمّ وحدها، مع ما لذلك من آثار نفسية واجتماعية وسلوكية.
كلارا، المتزوجة منذ عامين، وجدت نفسها مجبَرة في بداية حياتها الزوجية، على البقاء وحيدة بعدما عُرضت على زوجها فرصة عمل في الخارج. «رغم صعوبة الأمر، لعلّني أفضل من غيري، إذ لا نزال في مرحلة التأسيس لعائلة ولم نُرزق أطفالاً يُحكم عليهم بالتباعد الأسري والانفصال عن والدهم». فيما، بالنسبة إلى دلال، «الحياة في غياب الزوج صعبة مع أربعة أطفال في بداية وعيهم»، مشيرة إلى «الضغط النفسي والتعب الجسدي، ناهيك عن الأثر النفسي على الأطفال الذين يشتاقون إلى والدهم ولا يستطيعون التواصل معه إلا عبر شاشة لا تُغني عن اللقاء الجسدي والحضن الأبوي».
نشوء الأبناء، أياً تكن أعمارهم، بعيداً عن والديهم أو أحد الوالدين، وفق معالجين نفسيّين، يسبّب خللاً في نظام التربية وفي توزّع المهام بين الوالدين، لا يقتصر تأثيره على مرحلة الطفولة، بل يمتد طوال العمر، إذ إن التربية لا تقتصر على الماديات، بل تشمل المواقف والذكريات والنشاطات الصغيرة وقضاء الوقت الكافي مع الأبناء.
وفي دراسة نشرتها دورية «تشايلد سايكولوجي آند سايكايتري» العلمية المتخصّصة أن التفاعل الوجداني بين الأب والطفل يُنبئ بالنمو العقلي والنفسي السليم للأخير. وكلما زاد تفاعل الآباء مع أطفالهم وجدانياً، انخفضت فرص ظهور مشاكل سلوكية لدى الطفل ولا سيما في المراحل اللاحقة من عمره. وكلما زاد دعم الآباء عاطفياً في الصغر، زاد رضى الطفل عن الحياة وتحسّنت علاقته بمن حوله.
التعريف الاصطلاحي للأسرة هو أنها «جماعة صغيرة ذات أدوار ومراكز اجتماعية وتشترك في سكن واحد»، ما يجعل السكن الواحد أحد أركانها. وسقوط أي ركن يؤدي إلى تصدّع أسري تتجلّى آثاره في التخلّف الدراسي للأبناء، والمقارنات المستمرة مع الحياة الأسرية التي يعيشها الآخرون، ما يولّد شعوراً بالنقص والإحباط أو الحقد على الآخرين. ولكلّ من هذه المشاعر انعكاساته السلوكية على الأبناء، وقد تُترجم توتراً في العلاقة مع الآباء أو انطوائية أو عدائية، ناهيك عن انحرافات سلوكية أخرى كالتورّط في المخدّرات أو السرقة.
وللانفصال القسري آثاره على الزوجين أيضاً. من جهة، المسؤوليات الملقاة على عاتق الزوجة وحدها ستُشعرها بالاستقلالية التامة وإثارة شعور بالنفور من «تدخّل» الزوج في ما يخص الأسرة أو المنزل. ومن جهة أخرى، يعزّز الابتعاد الطويل شعور الزوج بالعزوبية وعدم القدرة على تحمّل مسؤوليات عائلية. وفي الحالتين فإن الشعور بالوحدة قد يفتح الباب أمام كل من الطرفين لإيجاد شريك يملأ الفراغ العاطفي.
المعالج النفسي ومستشار الأزواج والبالغين فادي الحلبي يؤكّد إمكانية تفادي الوقوع في أزمةٍ نفسيّة أو تضعضع العلاقة الزوجية «إذا ما استطاعت العائلة وضع الخطط المناسبة للتعامل مع الوضع الجديد، كتخصيص وقت للتواصل اليومي المستمرّ وتعويض الغياب الجسدي بالمعنوي». كما ينبغي «حلّ الخلافات العالقة بين الزوجين قبل السفر لأن البعد يزيد الشرخ»، لافتاً إلى أهمية «تخصيص الزوج مساحات مختلفة لكل من الزوجة والأولاد كلّ على حدة، وجميعهم في وقت واحد». ومن المهم، وفق الحلبي، «خلق جو عائلي دائم، ووضع خطط مسبقة لكلّ موضوع أو نشاط»، لأن «من سلبيات عدم التخطيط وبناء القواعد الأساسية للعلاقة عن بعد، خلق حالة من اثنتين: إما تعلّق شديد أو ابتعاد كلّي ولا سيما بين الأب والأبناء»، أمّا في ما خصّ الزوجين فـ«من الممكن أن يولّد ذلك شعوراً بالاستقلالية التامة يصعب معه التكيّف مع وجود شريك ومشاركته الحياة عن كثب». والأهم، أن «يعي الأب/ الزوج مسؤوليته تجاه عائلته. فالابتعاد الجغرافي لا يُعفيه من دوره الأبوي والزوجي، ومع تقدّم التكنولوجيا بات من السهل المحافظة على هذا الدور ولو افتراضياً، ومواكبة العائلة على مدار الساعة، والتواصل الدائم بين الزوجين». والأهم، وفق الحلبي، «الأخذ في الاعتبار أن السفر هدفه بالدرجة الأولى هو العائلة، وعدم الانجرار وراء الغياب على حسابها».
المصدر | كاتيا بيروتي - الأخبار
الرابط | https://tinyurl.com/2p9hfevs