بكل بساطة «قدرنا الزَعَل». هذا أقل ما يمكن أن يقال بعد النهاية المأسوية البشعة لمواجهة منتخب لبنان مع ضيفه الإيراني على ملعب صيدا البلدي.كل شيء حصل لم يكن قابلاً للتصديق. أوّلاً، عندما صمد «رجال الأرز» أمام هجومٍ إيراني مرعب هدّد مرمانا منذ اللحظة الأولى. وثانياً، عندما طارت كرة طائشة بفعل الهواء القوي لتحطّ على قدم سوني سعد وتلتصق بها ليسجّل هدف التقدّم في الشوط الأول (الدقيقة 38). أما ثالث المشاهد غير الطبيعية فهو ما حصل بعد انقضاء الدقائق التسعين عندما نجح ساردار أزمون (92) وأحمد نوراللهي (96) في تسجيل هدفين قاتلين أسقطا منتخباً وآمال شعبٍ بكامله بالضربة القاضية.
كل شيء صبّ في مصلحتنا بدايةً. من إرباكٍ عاشه الإيرانيون في ملعبٍ غريبٍ عليهم وغير مناسب لطريقة لعبهم المعتمدة على تناقل الكرات السريعة، ومروراً بتلك الكرة التي لعبها عباس عاصي ودفعت الكثيرين الى القول بأن «يداً إلهيّة» أوصلتها الى قدم سوني الذي تصرّف بذكاءٍ استثنائي وغير انهزامي فلم يتجاهلها، بل توقّعها ولم يتوانَ عن إيداعها في الشباك ليواصل تألقه وتهديفه في التصفيات... لكن الإيرانيين قالوا كلمتهم في النهاية.
هدفان إيرانيّان في الوقت القاتل بخّرا أحلام «رجال الأرز» الذين كانوا قريبين من فوزٍ عظيم (طلال سلمان)

فعلاً هو أمرٌ ممنوع ومحبط لأن ما لا يعرفه كثيرون أن كل وجهٍ كروي انتقل من بيروت الى صيدا صادف المئات من الأشخاص الذين سألوه عن المباراة وعن توقعاته، فمنتخب لبنان خلق حالة وطنية دفعت حتى أبطالاً في رياضات أخرى الى دعمه بأي وسيلةٍ متاحة بعد إبعاد جمهوره عن المدرجات. والمباراة أمام إيران، وبغضّ النظر عن الأبعاد التي رسمها البعض ولم ترتبط بالرياضة، فقد عزّزت شعوراً وطنياً وثيقاً في زمنٍ لم يعد يشعر فيه اللبنانيون بأنهم في وطنهم أو في وطنٍ حقيقي بفعل افتقارهم الى أساسيات الحياة؛ ومنها الفخر بالإنجازات والفرحة بالانتصارات التي لم يجلبها أخيراً سوى الرياضيين والفرق والمنتخبات المتفوّقة.
ربما لم نكن نستحق الفوز، لكن الأكيد أننا لم نكن نستحق الخسارة بهذا الشكل استناداً الى المجهود الذي قام به رجال المنتخب اللبناني في الميدان، لكن الواقع أن ما حصل كان ككل شيء يصيبنا، فهو صناعة أيدينا. وهنا الحديث عن سقطةٍ ذهنية أكثر منها فنية بالنسبة الى منتخبنا بعدما فقد لاعبونا التركيز في ظرف دقائق، لا بل في ثوانٍ معدودة، ليخسروا واحدة من أهم المباريات في تاريخهم.
عزّزت مواجهة إيران شعوراً وطنياً وثيقاً في زمنٍ لم يعد يشعر فيه اللبنانيون بأنهم في وطنٍ حقيقي


ما حصل فعلاً كان صادماً، وهو أمر عكسته الدهشة الممزوجة بالخيبة وحتى الدموع في عيون الكثير من المحظوظين الذين كانوا موجودين في الملعب، فأن تصمد 90 دقيقة أمام مدٍّ هجومي مخيف لأفضل فريقٍ في المجموعة وفي آسيا، فهو إنجازٌ بحدّ ذاته يمكن البناء عليه للخروج أقلّه بنقطةٍ من المباراة. لكن الفارق هنا كان في العقلية والجهوزية الذهنية وحتى البدنية، إذ رغم تأخره طوال الوقت الأصلي للمباراة بدا المنتخب الإيراني مؤمناً كثيراً بأن بإمكانه التسجيل، فضغط الى ما لا نهاية حتى حصل على مبتغاه. أما لاعبونا الذين قدّموا أداءً رجولياً يحسب لهم، فبدوا كأنهم خرجوا من جوّ اللقاء عند لحظة تسجيل أزمون هدف التعادل، فكان الضياع التام وبالتالي اهتزاز الشباك للمرة الثانية.
على من يقع اللوم هنا؟ هل هو على اللاعبين الذين كان يفترض أن يقاتلوا حتى آخر نفسٍ على أرض الملعب، أم على مدربٍ لم يحسن قراءة المباراة في الوقت الحاسم من عمرها؟
بصراحة من الصعب تحميل المسؤولية لهذا اللاعب أو ذاك ولو أن الهدفين كشفا بوضوح المتسبّبين بهما، فقبل تلك الصدمة الشنيعة، واصل الحارس مصطفى مطر تصدّياته الخرافية، وقام الأخوان أليكس وفيليكس ملكي بتأمين الناحية الدفاعية في غياب جوان العمري المصاب، وذلك وسط استبسال كبيرٍ لقاسم الزين وعباس عاصي، بينما قدّم كلٌّ من سوني ونادر مطر وباسل جرادي مجهوداً بدنياً خرافياً، طبعاً الى جانب القائد محمد حيدر الذي برع في اللعب تحت الضغط ومن دون خوف، مستفيداً من خبرته الدولية، وهو الذي وقّع على ثاني وآخر هدفٍ سجلّه لبنان في مرمى إيران في تاريخ مواجهاتهما.
كل هذا حصل أمام منتخبٍ يلعب كرة قدم متطوّرة، لكننا سقطنا في مكانٍ ما عندما عجزنا عن نسخ شيءٍ مما قدّمه الإيرانيون لناحية الحفاظ على الكرة وتناقلها والاستحواذ عليها، فكان أن فقدنا السيطرة. أما بالنسبة الى الخيارات الفنية الخاصة بالوقت الحسّاس، فيمكن التوقّف عندها، وخصوصاً بعدما بدا الإرهاق على بعض العناصر اللبنانية بحيث كان يفترض استبدالها لا الدفع بلاعبي الاحتياط اضطرارياً، إضافةً الى نقطةٍ اتفق عليها المتابعون بأن دخول لاعبٍ مثل ربيع عطايا كان ضرورياً لأنه سيعطي خياراً جديداً في الملعب على اعتبار أنه من اللاعبين القادرين على الاحتفاظ بالكرة وكسب الأخطاء عند التسلّم تحت الضغط، وهو أمر افتقدناه مع خروج محمد حيدر والتعب الذي أصاب باسل جرادي إثر محاولاته الدائمة للانطلاق بالهجمات اللبنانية من دون مؤازرة فعلية في الكثير من الأحيان.
بطبيعة الحال، كشفت الصدمة أمراً مؤكداً، وهو أن منتخبنا ليس بالسوء الذي رآه فيه البعض في مراحل سابقة من التصفيات، ولا يزال بإمكانه تحقيق المفاجأة والعبور الى كأس العالم 2022، وهي مسألة ستتعزّز في حال الفوز على الضيف الإماراتي يوم الثلاثاء المقبل.



النتائج تخدم لبنان


خسر منتخب الإمارات أمام نظيره الكوري الجنوبي 1-صفر في غويانغ ضمن المجموعة الأولى التي تضم لبنان وإيران أيضاً. وسجل هوانغ هي-تشان هدف كوريا الجنوبية الوحيد من ركلة جزاء في الدقيقة 30.
وفي المجموعة عينها، واصل المنتخبان العراقي والسوري نتائجهما المخيبة بتعادلهما 1-1 (الصورة). وافتتح «نسور قاسيون» التسجيل عن طريق لاعب الأهلي السعودي عمر السومة (79)، قبل أن يدرك أمير العماري التعادل لـ»أسود الرافدين» (86 من ركلة جزاء).
واحتفظت إيران بالصدارة مع 13 نقطة من 5 مباريات مقابل 11 لكوريا الجنوبية، فيما تجمد رصيد لبنان (5) والعراق (4) والإمارات (3).